مراسلون بلا حدود تطالب السلطات الجزائرية بتمكين الصحفيين من تغطية الانتخابات الرئاسية بكل حرية

 

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر يوم 17 أبريل/نيسان، تحث منظمة مراسلون بلا حدود السلطات على تمكين الصحفيين الجزائريين والأجانب من ممارسة مهامهم بكل حرية لتنوير الرأي العام.

وقالت لوسي موريون، مديرة الدراسات والأبحاث في منظمة مراسلون بلا حدود: لقد سجّلنا عدداً من حالات اعتقال الصحفيين على هامش المظاهرات التي نُظمت مؤخراً للاحتجاج على إعلان عبد العزيز بوتفليقة عن نيته في الترشح لولاية رابعة، وهو مؤشر سلبي على قدرة الصحفيين الجزائريين على تغطية الانتخابات الرئاسية من دون قيود. أما فيما يخص الصحفيين الأجانب، فإن العديد منهم حصلوا على تأشيرات الدخول في وقت متأخر، مصحوبة بقيود صارمة. وهذا بالرغم من كون الصحافة الأجنبية تلعب دوراً هاماً في ظل مشهد إعلامي جزائري يتميز بغياب فاضح للتعددية وبمستوى مرتفع من الرقابة الذاتية.

مسار متعثر ينتظر الصحفيين الأجانب

شددت السلطات الجزائرية من مراقبتها لطلبات تأشيرة الدخول التي يتقدم بها الصحفيون الأجانب. وبينما تحتاج الطلبات في العادة إلى أسبوعين للموافقة عليها، فإنها عرفت خلال فترة الانتخابات الرئاسية تمديداً واضحاً في الآجال. وهذا ما حصل مع صحفيين من وسائل الإعلام الفرنسية ليكسبريس و لوبوان و لو جورنال دي ديمونش و لوموند وBFMTV، واليومية الألمانية FAZ، والقناة الألمانية ZDF، وكذلك مع صحفيين إسبانيين من وكالة EFE ويومية دياريو إل موندو، الذين انتظروا عدة أسابيع قبل حصولهم على التأشيرة الثمينة، على بعد أيام قليلة تفصلهم عن تغطية الانتخابات.

وربما سيتمكن هؤلاء الصحفيون من تغطية الانتخابات في حد ذاتها، ولكنهم مُنعوا بسبب هذا التأخير من القيام بتحقيقات ميدانية ومن تنوير الرأي العام بطريقة أشمل بشأن هذا الاستحقاق الهام في الحياة السياسية الجزائرية، الذي تميّز باعتراضات على ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في ظل مشاكله الصحية التي منعته من الإشراف شخصياً على حملته الانتخابية. وقد أكدت لنا العديد من إدارات التحرير في عدد من المؤسسات الإعلامية أن التأخير في تسليم التأشيرات قد أجبرها على إلغاء العديد من المواضيع أو التقارير التي خصصتها لتغطية الحملة الانتخابية.

إضافة إلى ذلك، فإن التأشيرات التي قُدمت للصحفيين كانت تشمل قيوداً جغرافية وتحريرية وزمنية، إذ يُلزَم الصحفيون بالحصول على تراخيص خاصة للتنقل إلى بعض المناطق. كما وزّعت وزارة الإعلام على الصحفيين الأجانب المتواجدين في البلاد وثائق تلزمهم بعدم التحدث عن أي موضع آخر عدا الانتخابات. وستنتهي صلاحية التأشيرات يوم 20 أبريل/نيسان، أي بعد ثلاثة أيام فقط من اليوم الأول للانتخابات، وهو ما يمكن تفسيره بأن السلطات تستبعد جملة وتفصيلاً احتمال اللجوء إلى جولة ثانية من الانتخابات، أو أنها تتعمد إخضاع هؤلاء الصحفيين لمحنة ثانية سيعيشونها لطلب تأشيرات وتراخيص جديدة.

مظاهرات سابقة للانتخابات يصعب تغطيتها

تعرض العديد من الصحفيين للاعتقال خلال تغطية هذه المظاهرات، أو تعرضوا لضغوط بسبب تطرقهم لهذا الموضوع.

ففي 1 مارس/آذار، نُظمت مظاهرة أمام كلية بن يوسف بن خدة بالعاصمة الجزائر. وقد أكدت الصحفية زينب بنزيطة من قناة الشروق أن الشرطة قد اعتقلتها مع مجموعة من الصحفيين. وقالت: لم أكن مشاركة في المظاهرة. بل كنت في عين المكان في إطار واجبي المهني.

كما شهد يوم 17 مارس\\آذاراعتقال مزيان عبان، الصحفي العامل في صحيفة الوطن ويكاند والعضو النشط في حركة “بركات“، بينما كان في غرفته بالفندق في باتنة (500 كلم شرق الجزائر العاصمة)، حيث كان من المزمع أن ينجز تقريراً عن الأحداث التي هزت المنطقة في أعقاب تصريحات عبد المالك سلال، رئيس الوزراء السابق ومدير حملة بوتفليقة حالياً، عندما استهزأ من أحد مخاطبيه على مرأى ومسمع الصحفيين، في إشارة إلى أصوله “الشاوية“. وقد استوقفت الشرطة الصحفي عبان وأحالته إلى لواء الدرك في المنطقة، حيث تم استجوابه حول أدائه الخدمة العسكرية ومن ثم مثوله أمام المدعي العام، قبل أن يُطلق سراحه في اليوم التالي.

 كما تصدرت قضية جمالغانم العناوين الرئيسية في الآونة الأخيرة. ويتعلق الأمر برسام الكاريكاتير في يومية صوت وهران، الذي اتُهم بـ“إهانة الرئيس” بسبب صورة فيها إشارة ضمنية إلى ولاية بوتفليقة الرابعة، علماً أنها لا تحمل اسم الرسام ولم تُنشر أبداً. وفي هذا الإطار، شَدّد جمال غانم، المتهم منذ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، على أن التصريحات الموجودة في محاضر الاستماع أمام قاضي التحقيق في محكمة وهران قد انتزعت منه تحت الضغط، علماً أنه كان يواجه عقوبة قد تصل إلى 18 شهراً حبساً نافذاً مع غرامة 30.000 دينار جزائري (380 دولار أمريكي)، قبل أن تخفف محكمة وهران ذلك المبلغ في جلسة 11 مارس\\آذار، لكن النيابة العامة قدمت طعناً في هذا القرار بعد أسبوع من صدوره. وخوفاً على سلامته وسلامة عائلته، قرر جمال غانم مغادرة الجزائر وطلب اللجوء في فرنسا

كما تعرض الصحفي حسن الوالي، من يومية الوطن، للاعتقال رفقة صحفيين آخرين يوم 6 مارس/آذار، بينما كان يحاول تغطية المظاهرة التي نظمتها حركة بركات. وقال حسن الوالي في تصريح لمنظمة العفو الدولية: لقد أظهرنا لهم بطاقاتنا الصحفية، ولكنهم لم يكترثوا، بل اعتقلوا الجميع وقضينا اليوم كله في مركز للشرطة. لقد كان من الواضح أن رجال الشرطة قد تلقوا أوامر باعتقال الجميع. صحيح أننا لسنا كتونس أيام بن علي، ولكن مهنة الصحافة في الجزائر تعاني من ظروف صعبة للغاية.

ضرورة إصلاح تشريعي حقيقي

فالعديد من الأحكام تعيق حرية الإعلام على نحو متفاوت، ولاسيما المادة 112 التي تمنح “لكل شخص جزائري طبيعي أو معنوي الحق في الممارسة حق الردّ على أيّ مقال مكتوب تم نشره أو حصة تم بثها، تمس بالقيم والمصلحة الوطنية“، والمادة 123 التي تُعاقب على “إهانة رؤساء الدول الأجنبية وأعضاء البعثات الدبلوماسية المعتمدين لدى حكومة الجمهورية الجزائرية“، أو المادة 119 التي تُعاقب على نشر “أي خبر أو وثيقة تلحق ضررا بسر التحقيق الابتدائي في الجرائم“.

بموجب القانون رقم 11-14 بتاريخ 2 أغسطس\\آب 2011 تم تعديل المادتين 144 مكرر و146 من قانون العقوبات كما أُسقطت جريمة التشهير في حق الموظفين العموميين. وعلى النحو ذاته، دخل قانون الصحافة الجديد حيز التنفيذ في يناير\\كانون الثاني 2012، حيث ألغى أحكام السجن في جرائم الصحافة. فبينما كان من شأن هذا التقدم التشريعي أن يضع حداً للخطر الذي كانت تشكله المادتان 144 مكرر و146، والمواد 77-99من القانون الجنائي، ظلت الغرامات المالية كبيرة ومبالغاً فيها، في حين لا تزال المادتان 296 و298 من القانون الجنائي تنصان على عقوبة السجن بتهمة التشهير في حق الأفراد.

وفي المجال السمعي البصري، اعتُمد قانون جديد، يوم 20 يناير\\كانون الثاني 2014، الذي يهدف - من خلال مواده الـ113 – إلى تنظيم القطاع السمعي البصري وهياكله، علماً أنه لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد انتخابات 17 أبريل\\نيسان. وفي حال تطبيقه على أرض الواقع، فإنه سيتيح -لأول مرة - إنشاء قنوات تلفزيونية خاصة تبث من الجزائر، مع وضع حد للاحتكار الحكومي للقطاع السمعي البصري، الذي ظل تحت قبضة الدولة منذ الاستقلال. بيد أن هذا القانون يفرض على القنوات التلفزيونية الخاصة أن تكون موضوعاتية مع تخصيص حيز زمني محدود للبرامج الإخبارية، في ظل بقاء قنوات الأخبار والقنوات العامة تحت سيطرة الدولة مباشرة. كما يُتوقع أن تخرج إلى الوجود هيئة جديدة لتنظيم القطاع السمعي البصري. لكن عدم استقلاليها يبعث على القلق ويثير الكثير من المخاوف علماً أن تسعة من أعضائها يتم تعيينهم بموجب مرسوم رئاسي بينما يختار الرئيس شخصياً خمسة أعضاء آخرين. كما تحتفظ هذه السلطة التنظيمية بحق تحديد مدة نشرات الأخبار في القنوات الخاصة، وهو مانددت به العديد من الجمعيات.

كما يُستخدم الإعلان سلاحاً للضغط على وسائل الإعلام في بعض الأحيان. ذلك أن الوكالة الوطنية للنشر والإعلان (التي تم إنشاؤها في ديسمبر\\كانون الأول 1967 ودخلت حيز التنفيذ اعتباراً من أبريل\\نيسان 1968) هي التي تُحدد حصة الإعلانات المخصصة للشركات والخدمات العامة على صفحات الجرائد، مما يعني أن الإعلانات الحكومية تشكل مورداً مالياً هاماً للصحافة، حيث إن تجديد العقود مع الوكالة لا يتم دون شروط مسبقة… وفيما يتعلق بالإعلانات الخاصة، فإنها غالباً ما تكون نابعة من شركات مقربة من الأوساط السياسية في البلاد، حيث تُخصَّص في المقام الأول للصحف الأكثر انصياعاً للسلطات الحاكمة والمؤسسة العسكرية وأجهزة الاستخبارات والأمن القومي.

Publié le
Updated on 16.04.2019