مراسلون بلا حدود تدعو السلطات المصرية إلى احترام الدستور الجديد

عشية الجلسة الثانية في محاكمة الصحفيين العشرين التابعين لشبكة الجزيرة، التي ستعُقد يوم 4 مارس\\آذار 2014 في القاهرة، تدعو مراسلون بلا حدود الحكومة الانتقالية الجديدة برئاسة إبراهيم محلب للامتثال للمبادئ المنصوص عليها في الدستور الجديد والوفاء بالالتزامات المصرية على الصعيد الدولي.

كما تدين المنظمة استمرار الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها السلطات المصرية ضد الحريات الأساسية المكفولة والمحمية في هذا النص الدستوري الجديد الذي اعتُمد قبل ما يزيد عن شهر من الآن.

حرية التعبير والإعلام

ينطوي هذا الدستور الجديد على بعض الأحكام المشجعة التي تمهد الطريق لإحراز تقدم ملحوظ على مستوى حماية حرية الإعلام، حيث يتضمن إشارات ترمي إلى ضمان حرية الرأي والتعبير (المادة 65) وحرية الصحافة (المادة 70) واستقلالية وسائل الإعلام (المادة 72)، في حين تحظر المادة 71 اللجوء إلى الرقابة والسجن في جرائم الصحافة.

ومع ذلك، فمنذ إقالة الرئيس مرسي من منصبه، في 3 يوليو\\تموز 2013، لا تتوانى الحكومة الانتقالية عن ملاحقة الصحفيين العاملين في وسائل الإعلام التابعة للإخوان المسلمين بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث أصبحت هذه الجماعة منظمة إرهابية في أعين السلطات المصرية منذ 25 ديسمبر\\كانون الأول، لتصبح بذلك منظمة محظورة بشكل رسمي، علماً أن هذا الوصف لا يزال ينطبق عليها حتى بعد اعتماد الدستور الجديد في يناير\\كانون الثاني.

فسواء من خلال الملاحقات أو الاعتقالات أو المحاكمات بتهم واهية، لا تتوانى السلطات عن استخدام أي أسلوب في متناولها لتكميم أفواه من لا يتبنون الرواية الرسمية، مما يمثل خرقاً سافراً للضمانات الدستورية المنصوص عليها في المادة 71.

ووفقاً للمعلومات التي استقتها مراسلون بلا حدود، احتُجز ما لا يقل عن عشرين فاعلاً إعلامياً بشكل تعسفي، ومن بينهم بعض الصحفيين الأجانب، ولو أن هذه الحملة تستهدف الجزيرة بالأساس وشبكة رصد الإخبارية كذلك.

ففي يوم 29 يناير\\كانون الثاني 2014، أصدرت النيابة العامة المصرية بياناً تُعلن فيه قرار إحالة عشرين صحفياً من شبكة الجزيرة إلى المحكمة الجنائية بتهم نشر معلومات كاذبة، حيث يوجد من بينهم ستة عشر مواطناً مصرياً متهمين بالانتماء إلى منظمة إرهابية وإضعاف هيبة الدولة وتكدير السلم العام. أما الأجانب الأربعة – وهما بريطانيان وأسترالي وهولندية - فإنهم متهمون بالتعاون مع زملائهم المصريين من خلال إمدادهم بالمال والمعدات والمعلومات (... ) وإذاعة بيانات وأخبار وشائعات كاذبة وصور غير حقيقية وعرضها على أنظار الجمهور في الداخل والخارج حول الأوضاع الداخلية للبلاد بغرض الإيحاء للرأي العام الخارجي أن البلاد تشهد حرباً أهلية. هذا ويوجد ثلاثة رهن الاعتقال منذ إلقاء القبض عليهم يوم 29 ديسمبر\\كانون الأول الماضي في القاهرة، ويتعلق الأمر بكل من الأسترالي بيتر غريست، ومدير مكتب القاهرة محمد عادل فهمي، الذي يحمل الجنسيتين الكندية والمصرية، إضافة إلى المصري باهر محمد، حيث بدأت محاكمتهم يوم 20 فبراير\\شباط وستُستأنف يوم 5 مارس\\آذار.

 

كما أُلقي القبض في 14 أغسطس\\آب الماضي على عبد الله الشامي، العامل بدوره في شبكة الجزيرة، التي أطلقت في 27 فبراير\\شباط 2014 حملة تعبئة دولية للمطالبة بالإفراج عن هؤلاء الصحفيين الأربعة الذين مازالوا قابعين في السجن.

وعلاوة على ذلك، تعرض العديد من الصحفيين للاعتداء والتحرش على يد أفراد الشرطة وبعض المتظاهرين أيضاً أثناء تغطية فعاليات الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، حيث أصيب بعضهم جراء تلك الاعتداءات بينما أُلقي القبض على عشرات من الإعلاميين.

محاكمات أمام قضاة عسكريين

لا يزال بعض المدنيين يمثلون أمام قضاة عسكريين في مصر. ففي 30 أكتوبر\\تشرين الأول 2013، أصدرت محكمة شمال القاهرة العسكرية حكماً بحبس صحفي الوطنحاتم أبو النور بسنة واحدة مع الشغل والنفاذ، بعد اعتقاله يوم 25 أغسطس\\آب 2013 بتهمة انتحال صفة عسكرية خلال مقابلات هاتفية مع منظمات مختلفة لا علاقة بمؤسسة الجيش المصري من أجل الحصول على بعض المعلومات في سياق التحقيقات التي كان يقوم بها.

كما حكمت المحكمة العسكرية بالإسماعيلية على محمد صبرى بالحبس 6 أشهر مع وقف التنفيذ، بعد إلقاء القبض عليه يوم 4 يناير\\كانون الثاني في منطقة رفح العسكرية الواقعة شمال سيناء، حيث كان يلتقط صوراً في إطار ريبورتاج حول قرار القوات المسلحة المصرية حظر شراء أراضٍ في تلك المنطقة الحدودية. بيد أن محاكمة هذا الصحفي المستقل تأجلت أكثر من مرة منذ 9 يناير\\كانون الثاني.

وعلى النحو ذاته، حكمت المحكمة العسكرية بالإسماعيلية يوم 5 أكتوبر\\تشرين الأول على مراسل جريدة المصري اليوم، أحمد أبو دراع، بالسجن لمدة ستة أشهر وغرامة قدرها 200 جنيه مصري (حوالي 30 دولاراً أمريكياً). وكان هذا الصحفي قد كتب عدة مقالات عن تصرفات الجيش في سيناء، قبل أن تعتقله قوات الأمن في العريش (شمال سيناء) بتاريخ 4 سبتمبر\\أيلول 2013، حيث ظل رهن الاحتجاز في انتظار الحكم في قضيته.

وفي الآونة الأخيرة، انطلقت يوم 24 فبراير\\شباط محاكمة عمرو القزاز وإسلام الحمصي، الصحفيين المتعاونين مع شبكة رصد الإخبارية، اللذين يمثلان أمام محكمة عسكرية بتهمة الكشف عن معلومات سرية وإهانة المشير السيسي، حيث رفض القاضي طلبهما بحضور محام ينوب عنهما في جلسة الاستماع الأولى. هذا وقد تم تأجيل الجلسة التالية إلى يوم 2 مارس\\آذار.

 

تجدر الإشارة إلى أن المحاكم العسكرية لا تقدم أية ضمانات لمحاكمات عادلة، كما أن الإجراءات المتبعة فيها لا تتطابق بالضرورة مع الالتزامات المصرية على الصعيد الدولي. فحسب لجنة حقوق الإنسان، الهيئة الدولية المؤلفة من خبراء معنيين بتفسير العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لكي تكون محاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية متوافقة مع مقتضيات المادة 14 من العهد الدولي (التي تنص على أن من حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون)، يجب أن تكون تلك المحاكمة استثنائية، أي مقتصرة على الحالات التي تكون فيها الدولة الطرف قادرة على إثبات ضرورة اللجوء لمثل هذه المحاكم وتبريرها بأسباب موضوعية وجادة، وحيثما تبين أن المحاكم المدنية العادية غير قادرة على تولي تلك المحاكمات. كما يضيف التعليق العام أن المحاكمة يجب أن تكون عادلة ونزيهة ومستقلة.

وبالإضافة إلى عدم وجود أي مبرر موضوعي للجوء إلى المحاكم العسكرية في هذا السياق، فإن المحاكمات أمام هذه المحاكم ليست عادلة ولا نزيهة ولا مستقلة، وبالتالي فهي لا تتوافق مع أحكام المادة 14 من العهد الدولي. كما أن اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان، في تفسيرها للميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي تُعد مصر طرفا فيه، تؤكد أن المحاكم العسكرية يجب ألا تكون لها ولاية قضائية على المدنيين، تحت أي ظرف من الظروف.

تعذيب وسوء معاملة في المعتقل

يحظر الدستور الجديد (المادة 52) اللجوء إلى التعذيب ويقتضي أن تحترم قواعد الاحتجاز كرامة الشخص المعني (المادة 55). كما تنص المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 7 من العهد الدولي على عدم جواز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة.

بيد أن العديد من الشهادات تشير إلى اللجوء المتكرر إلى مختلف أساليب المعاملة اللاإنسانية أوالمهينة أو حتى إلى وسائل التعذيب في بعض الأحيان. ومن بين المنددين بتعرضهم لهذه الانتهاكات، هناك على سبيل المثال لا الحصر، عبد الله الشامي، مراسل الجزيرة، المعتقل منذ 14 أغسطس\\آب، وصحفي جريدة الوادي إسلام الكلحي، المحتجز منذ 25 يناير\\كانون الثاني 2014، ومصور شبكة يقين الإخبارية، أحمد جمال زيادة، الذي أُلقي عليه القبض بتاريخ 28 ديسمبر\\كانون الأول 2013 بينما كان يغطي احتجاجات جامعة الأزهر.

Publié le
Updated on 18.12.2017