شهادة مفحِمة من صحفي أوغندي عن مستويات الرقابة في الإعلام الإماراتي

 

 تعرض الصحفي الأوغندي ياسين كاكاندي للطرد من الجريدة اليومية الإماراتية ذا ناشيونال في أبريل \\نيسان الماضي على خلفية نشر سيرته الذاتية التي يفضح فيها الظروف المعيشية للعمال المهاجرين وآليات الرقابة المعمول بها في وسائل الإعلام الوطنية.

في 1 أبريل\\نيسان 2014، طُرد الصحفي الأوغندي ياسين كاكاندي من جريدة ذا ناشيونال اليومية، حيث كان يعمل منذ ست سنوات. وجاء قرار العزل هذا بعد أشهر قليلة من نشر رواية بعنوان نضال طموح: رحلة صحفي أفريقي للبحث عن الأمل والهوية في أرض المهاجرين، حيث صدر هذا الكتاب المستوحى من سيرته الذاتية في عام 2013.

 في اتصال أجرته معه مراسلون بلا حدود أواخر أبريل\\نيسان 2014، أوضح الصحفي أن رئيس تحرير ذا ناشيونال الجديد، محمد العتيبة، أوضح له - في مقابلة بتاريخ 1 أبريل\\نيسان - أنه ارتكب مخالفتين بنشره ذلك الكتاب: فمن جهة، لم يحصل ياسين كاكاندي على الإذن من إدارة الجريدة لإصدار روايته؛ ومن جهة أخرى، لم يُظهر مستخدِمه في أفضل صورة. ونتيجة لذلك، أقيل الصحفي من وظيفته على الفور دون إشعار أو تعويض ولا حتى إذن بالعودة إلى مكاتب الصحيفة، حيث مُنح مهلة شهر واحد لمغادرة البلاد. وفي المقابل، يبدو أن الكتاب وُضع على قائمة الكتب المحظورة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

هذا وقد اتصلت مراسلون بلا حدود بالصحيفة يوم 18 يونيو\\حزيران 2014 لكن إدارتها رفضت التعليق عن الموضوع.

 وحصلت منظمة مراسلون بلا حدود على نسخة من كتاب ياسين كاكاندي، الذي يستنكر فيه مختلف أشكال الاتجار بالبشر والاستغلال وسوء المعاملة والعنصرية التي يعاني منها العمال المهاجرون، إلى جانب التمييز التفضيلي على مستوى الأجور في دولة الإمارات العربية المتحدة.

 ويقول الإعلامي الأوغندي في هذا الصدد: كصحفيين، لا ينبغي لنا أن ندع العمال المهاجرين الفقراء وحيدين في كفاحهم من أجل حقوقهم. كم من حكاية حول مصير هؤلاء المهاجرين قررنا اختزالها في قصاصات صغيرة أو حتى تركها في طي النسيان خوفاً من السلطات واحتمال طردنا من العمل.

 وفي أحد فصول كتابه بعنوان تقارير صحفية من دبي، يتطرق ياسين كاكاندي لأساليب الرقابة (والرقابة الذاتية) المعمول بها في وسائل الإعلام بالإمارات العربية المتحدة، موضحاً أن المسؤولين عن تلك المؤسسات جزء لا يتجزأ من آليات نظام الرقابة الذي تستعين به السلطات (الفصل 35، صفحة 141)، مسلطاً الضوء بشكل أعم على العلاقة بين الحكام ووسائل الإعلام، والتي يطغى عليها الاستيعاب (صفحة 145)، مبرزاً في الوقت ذاته صعوبة ممارسة الصحافة في بيئة حيث يُستحسن عدم إفشاء الأسرار أو التعمق في موضوعات معينة.

 ويصف كاكاندي الأساليب التي كان يستخدمها مالك قناة سيتي 7، محيي الدين بن هندي، لدى وصوله في مايو\\أيار 2007، حيث فرض حظراً على تغطية أي موضوع سياسي كيفما كان، قائلاً إنه لا يريد الدخول في مشاكل مع سلطات البلاد، حيث منعنا على الفور من التطرق للقضايا المتعلقة بالشرطة والمحاكم أو غيرها من المواضيع السياسية ذات الصلة. كما يشير الصحفي إلى وجود أسماء بعض الصحفيين في قوائم سوداء يضعها مسؤولو العلاقات العامة لدى المؤسسات أو الشخصيات السياسية، مستحضراً المقال الذي كان قد نشره بعنوان طريق كورنيش البحيرة: من سيء إلى أسوأ، حيث استعرض بتفصيل الآثار السلبية لمشروع المجاز الحضري على حركة المرور في إمارة الشارقة، مؤكداً أنه تعرض لضغوط كبيرة بعد نشره.

 ويعتبر ياسين كاكاندي أن الإطار القانوني الحالي يُغذي السرطان الذي يصيب وسائل الإعلام في الإمارات، حيث يمهد الطريق لتسليط سوط الرقابة على الصحافة في البلاد ويزرع الخوف في نفوس الكثير من الصحفيين. كما يُذكِّر باعتزام المجلس الوطني الاتحادي، في عام 2009، إصلاح التشريعات التي تشمل الصحافة والمنشورات، علماً أن القطاع تحكمه نصوص يعود تاريخها إلى عام 1980. كما لم يتردد في إدراج التعليقات الناقدة التي نشرتها هيومن رايتس ووتش حول مشروع القانون هذا، والذي يجرم - من جملة ما ينص عليه - إهانة الأسرة الحاكمة والشخصيات البارزة في الحكومة. وفي هذا السياق الذي يتميز بانعدام الاستقلالية في وسائل الإعلام، يُبرز الصحفي الأوغندي أهمية الشبكات الاجتماعية، مشيراً إلى حالات الاعتقال في صفوف المواطنين الإماراتيين على أساس قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وهو الموضوع الذي لا تتطرق إليه وسائل الإعلام المحلية.

 وأوضحت مراسلون بلا حدود في بيان لها أن كل المؤشرات تبعث على الاعتقاد أن ياسين كاكاندي عُوقب على كشف هذه الفضائح المزعجة المُغيَّبَة بشكل واضح من وسائل الإعلام الإماراتية.

 يُذكر أن الإمارات العربية المتحدة تقبع في المرتبة 118 (من أصل 180 بلداً) على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2014 الذي نشرته مراسلون بلا حدود في فبراير\\شباط الماضي. ذلك أن أي صلة بجماعة الإخوان المسلمين تواجه بقمع سافر في هذا البلد. فقد أُنزلت أقسى عقوبات السجن على مواطنين-إلكترونيين لمجرد نشرهما تغريدات تتعلق بمحاكمة الإماراتيين الـ94 المتهمين بالانتماء إلى جماعة الإصلاح. هذا وقد قررت السلطات الإماراتية منع حضور مراقبين دوليين وصحفيين أجانب من حضور جلسات المحاكمة، في حين أذنت لوسائل إعلام وطنية قليلة بدخول قاعة المحكمة، بعد عملية انتقاء دقيقة. هذا وتعمل الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات بتنسيق وثيق مع وحدات مكافحة جرائم تقنية المعلومات لرصد المواقع الإلكترونية وفرض الرقابة على شبكة الإنترنت، إذ شهدت نهاية عام 2012 سن قانون جرائم تقنية المعلومات الذي جاء ليعزز الترسانة التشريعية القمعية في البلاد حيث يخضع جهاز القضاء بشكل تام للسلطة السياسية.

Publié le
Updated on 16.04.2019