شتان بين التعددية والعددية - مراسلون بلا حدود وموقع لو ديسك يكشفان نتائج مرصد ملكية وسائل الإعلام

منذ نهاية عهد الاحتكار الذي كانت تمارسه الدولة على وسائل الإعلام وبدء مرحلة انفتاح القطاع السمعي البصري على الشركات الخاصة في عام 2005 وما صاحبه من تزايد في عدد المنابر الإعلامية على شبكة الإنترنت، شهد سوق الإعلام المغربي نمواً ملحوظاً من حيث الحجم، ليصبح المشهد أكثر تشعباً وتعقيداً من أي وقت مضى. وبينما تظل أيادي الدولة حاضرة بقوة في هذا القطاع، تلعب العائلة الملكية وأبرز الشخصيات الاقتصادية المغربية هي الأخرى دوراً رائداً في الساحة الإعلامية.

وفي هذا الصدد، يكشف استطلاع أجراه الموقع الإلكتروني المغربي لو ديسك ومنظمة مراسلون بلا حدود الدولية النقاب عن الفاعلين الرئيسيين في القطاع، مسلطاً الضوء في الوقت ذاته على مصالحهم المترابطة، علماً أن نتائج هذه الدراسة، التي تحمل عنوان مرصد ملكية وسائل الإعلام، وأول قاعدة بيانات حول وسائل الإعلام في المغرب متاحة بثلاث لغات (الفرنسية والعربية والإنجليزية) على موقع www.maroc.mom-rsf.org، الذي تم إطلاقه اليوم في الدار البيضاء.

الدار البيضاء، 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 - تُظهر نتائج مرصد ملكية وسائل الإعلام في المغرب أن تسعة من الشركات الإعلامية الـ36 التابعة لوسائل الإعلام الأكثر تأثيراً في البلاد ترتبط ارتباطاً مباشراً أو غير مباشر بالدولة أو الحكومة أو العائلة الملكية، علماً أن أربعاً منهاً - شركة الدراسات والإنجازات السمعية البصرية (سورياد) ومجموعة إيكو ميديا والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ومجموعة أوريزون بريس – تُعد من بين أكبر الشركات الإعلامية في البلاد من حيث الإيرادات، ناهيك عن التأثير المحتمل لبعض المُلَّاك المنخرطين سياسياً في هذا القطاع. وتبقى العائلة الملكية واحدة من الجهات الفاعلة الرئيسية في الحقل الإعلامي، حيث تشارك من خلال الشركة الوطنية للاستثمار في رأسمال أربع شركات، ثلاث منها توجد ضمن أهم خمس شركات في قطاع الإعلام (سورياد، إيكو ميديا وإذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية).

ومن بين القضايا الرئيسية التي أثارتها نتائج مرصد ملكية وسائل الإعلام إصرار الشخصيات الاقتصادية والمالية على الاستثمار في صحف لا تحقق أية أرباح تُذكر. فمن بين المنشورات التسع الناطقة بالفرنسية التي تمحورت حولها دراسة مرصد ملكية وسائل الإعلام، يضم مجلس إدارة خمس منها (أوجوردوي لو ماروك، لا في إيكو، أنسبيراسيون إيكو، لا نوفيل تريبيون وليكونوميست) رجال أعمال يُعدون من بين أغنى الشخصيات في البلاد، مثل عزيز أخنوش ومولاي حفيظ العلمي، اللذين يشغل كل منهما منصب وزير في الحكومة الحالية.

ولأول مرة على الإطلاق، يتم تسليط الضوء بالتفصيل على ما ينطوي عليه المشهد الإعلامي المغربي من ترابط وتقاطع مع مراكز السلطة، حيث يكشف مرصد ملكية وسائل الإعلام النقاب عن الأسماء المنخرطة في هذا القطاع والروابط التي تقف وراءها، مُبرزاً في الوقت ذاته وزن الإعلانات في تمويل بعض وسائل الإعلام، علماً أن ذلك يتم دائماً في دهاليز يلفها الغموض. كما يسلط الاستطلاع الضوء على بعض أوجه القصور في نظام قياس الجمهور.

قطاع التلفزيون تحت سيطرة الدولة وتنوعٌ في مِلكية المنابر الإلكترونية

يقول علي عمار، مدير نشر موقع لو ديسك - الذي أشرف على دراسة مرصد ملكية وسائل الإعلام - إن هذا البحث يؤكد أن التنوع والتعدد ليسا مرادفين، موضحاً أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إحداث خريطة شاملة للمشهد الإعلامي المغربي، حيث تؤكد الاتجاه المثير للقلق والمتمثل في تشكيل تكتل قائم على مصالح مشتركة حيث تتقاطع السياسة وعالم المال والأعمال بما يقوض التعددية ومعها استقلالية الصحافة.

هذا وقد استغرقت الدراسة الاستقصائية ما لا يقل عن ثلاثة أشهر من البحث، حيث ركزت على 46 وسيلة إعلام والشركات الـ36 التي تملكها. ويكشف مرصد ملكية وسائل الإعلام أن الجهة المالكة المسيطرة تختلف بحسب كل فئة من الفئات: التلفزيون والإذاعة والصحافة المكتوبة والصحافة الرقمية. ذلك أن الدولة هي المالك الرئيسي في قطاع التلفزيون، جنباً إلى جنب مع العائلة الملكية وأحد أغنى رجال الأعمال في البلاد. كما تحتكر الدولة جزءاً كبيراً من المحطات الإذاعية، وإن كانت دائرة المِلكية قد اتسعت على مدى العقد الماضي لتشهد انضمام العديد من الشركات الصغيرة. أما الصحافة المكتوبة، فإنها تشهد تبايناً واضحاً بين السوق المزدهرة للجرائد الصادرة باللغة العربية (التي تكون غالباً في ملكية أشخاص من أهل الإعلام) والتراجع الملحوظ على مستوى الصُحف والمجلات الناطقة بالفرنسية - التي توجد عادة في ملكية بعض من أبرز الشخصيات الاقتصادية والمالية في البلاد. وفي المقابل، تبقى المنابر الإعلامية الإلكترونية الأكثر تنوعاً من حيث المِلكية.

وقد تم إعداد هذه الدراسة من خلال اتباع منهجية موحدة، تُطبَّق في مختلف البلدان المعنية بمرصد ملكية وسائل الإعلام، حيث تشمل أيضاً مجموعة من المؤشرات التي تقيس مخاطر التعددية الإعلامية في كل بلد. ويبقى المغرب في متوسط ​​البلدان التي شملتها الدراسة، مع وجود مستوى خطر متوسط ​​على التعددية.

وفي هذا الصدد، قال مايكل ريديسكه، مدير المكتب الدولي لمنظمة مراسلون بلا حدود، صحيح أن المخاطر التي تهدد التعددية الإعلامية [في المغرب] ليست بنفس حجم المخاطر المسجلة في بلدان أخرى، إلا أن نتائج مرصد ملكية وسائل الإعلام تُظهر حاجة إلى الإصلاح، حيث لا ينبغي أن يكون أفراد من العائلة الملكية أو وزراء أو غيرهم من رجال الأعمال النافذين في موقف يتيح لهم السيطرة على بعض القطاعات الرئيسية في الحقل الإعلامي.

من جهته، أكد كريستوف ديلوار، الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، أن الدفاع عن استقلالية الصحافة أمام القوى السياسية والمالية يجب أن يشكل الأولوية لحرية الصحافة في المغرب، آملين أن يستغل الفاعلون في القطاع الإعلامي المغربي هذه الدراسة أحسن استغلال للدفاع عن صحافة حرة ومستقلة وذات جودة.

وجدير بالذكر أن معظم المعلومات حول ملكية وسائل الإعلام مؤرخة، مما يؤدي أحياناً إلى بعض التناقضات. فرغم وجود قوانين وقواعد مُلزمة بشأن الشفافية، إلا أن هناك طرقاً مختلفة وسبل متعددة للالتفاف عليها. ومن بين الشركات الـ36 التي شملتها الدراسة، أجابت 17 شركة فقط على الأسئلة المتعلقة بهيكلة ملكيتها. وإذا كان هذا العدد يمثل أقل من النصف، فإنه أكبر بكثير من ذلك المحصل عليه في البلدان الـ12 الأخرى التي أجري فيها استطلاع مرصد ملكية وسائل الإعلام حتى الآن؛ ففي البرازيل، مثلاً، لم ترد أية شركة من الشركات التي شملتها الدراسة.

في ظل احتكار الدولة لقطاع التلفزيون

صحيح أن الدولة لم تعد تحتكر القطاع السمعي البصري منذ عام 2005، إلا أنها لا تزال تمتلك الأغلبية من نسبة الجمهور التلفزيوني في المغرب وجزءاً كبيراً من الجمهور الإذاعي. وفي هذا السياق، تحظى المؤسسة المملوكة للدولة، الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، بما لا يقل عن 26.73٪ من إجمالي الجمهور على صعيد المحطات الإذاعية، مقابل 8.67٪ من نسبة المشاهدة عبر قنواتها التلفزيونية. أما شركة سورياد العامة/الخاصة - التي تملك وزارة الاقتصاد والمالية نسبة 72٪ من رأسمالها مقابل 20٪ من قبل الشركة الوطنية للاستثمار – فإنها تحظى بنسبة 5.62٪ من الجمهور الإذاعي و33٪ من الجمهور التلفزيوني عبر قناتها دوزيم. وبينما تتلقى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ما يصل إلى 88٪ من مصادر التمويل العام المخصص لوسائل الإعلام، مقابل حصول سورياد على حصة كبيرة من أموال الإعلانات، فإن هاتين الشركتين تظلان تواجهان صعوبات مالية، مما يثير جدلاً حول استمراريتهما الاقتصادية على المدى الطويل.

الإعلان يلفه الغموض

ترتبط الضبابية الكبيرة التي تلقي بظلالها على سوق الإعلام المغربي أيضاً بالطريقة التي يعمل وفقها سوق الإعلانات. ذلك أن عدم توزيع الإعلانات بشكل منصف يُسهم في تأجيج مناخ تشوبه العديد من الشوائب وخلق حالة خارج السيطرة، مما قد يضع بعض الصحف ذات الشعبية الواسعة عُرضة للمقاطعة، كما كان الحال بالنسبة لكل من تيلكيل أو نيشان أو لو جورنال إيبدو في مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة.

وتُظهر البيانات التي قام مرصد ملكية وسائل الإعلام بتحليلها أن قطاع التلفزيون هو الأكثر جاذبية للمعلنين، وذلك بما يصل إلى 39.8٪ من حصص السوق في عام 2017، علماً أن هذه هي أكبر حصة في السوق أمام قطاع اللوحات الإعلانية (29.10٪). أما الإذاعة والصحافة المكتوبة فتحصلان من حصة السوق على 16.7٪ و13.2٪ على التوالي.

معلومات متباينة حول نسب الجمهور

تُظهر المعطيات أن نسب الجمهور ليست بالضرورة هي الحافز الذي يدفع أكبر رجال الأعمال إلى الاستثمار في وسائل الإعلام المغربية. ذلك أن قياس نسب الجمهور في المغرب يبقى أمراً إشكالياً، إذ رغم وجود هيئات معترف بها في هذا الشأن، إلا أن بياناتها تشوبها شوائب في بعض الأحيان، إما بسبب عدم توافرها أو لأنها غير قابلة للاستغلال. وعلاوة على ذلك، يبدو أن تحليلات السوق تخضع أيضاً لمصالح اقتصادية.

وهناك هيئتان معنيتان بقياس نسب الجمهور على صعيد قطاع السمعي البصري في المغرب: المركز البين-مهني لقياس نسب المشاهدة (بالنسبة للتلفزيون) والمركز البين-مهني لقياس نسب استماع الإذاعات بالمغرب. وتجدر الإشارة إلى أن الأول عبارة عن عن تكتل يمثل مصالح اقتصادية مشتركة، حيث يضم من بين أعضائه الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وسورياد ومدي1تيفي ووكالة الإعلانات ريجي3 (التي تُعد سورياد من بين زبائنها). ومن جهته، يقوم المركز البين-مهني لقياس نسب استماع الإذاعات بالمغرب على بنية مشابهة إلى حد ما.

وعلى صعيد الصحافة المطبوعة، هناك هيئة مراقبة انتشار الصحف، وهي هيئة معترف بها تتمثل مهمتها في نشر ومراقبة الأرقام المتعلقة بتداول الصحف، علماً أن بيانات هذه الهيئة تستند على المعطيات التي تقدمها الجرائد نفسها. ولكن في بعض الحالات، يُلاحظ تضخيم للأرقام بسبب التوزيع المجاني، مما يزيد من إيرادات بعض الصحف عن طريق الإعلان.

وبالنسبة لقطاع الصحافة الرقمية، كما هو الحال في العديد من البلدان، فإنه لا يمكن أن يوثق بنسب القراءة نظراً لعدم وجود هيئة محددة. ويرى المعلنون أن غوغل أناليتيكس من أكثر القنوات دقة لتقييم عدد الزيارات. وبينما يمكن لأصحاب المواقع الإلكترونية نشر بياناتهم على سيميلارويب، إلا أن البعض فقط هم من يقومون بذلك. كما أن ظاهرة شراء النقرات أو الإعجابات أصبحت منتشرة بشكل كبير، سواء بطرق قانونية أو بوسائل غير مشروعة.

بيانات متضاربة

قيَّم مرصد ملكية وسائل الإعلام في المغرب مدى توافر البیانات بالنسبة للجمھور، وکذلك دقة تفاصیلھا ومستوى مصداقیتھا، حيث تبيَّن أن جميع وسائل الإعلام التي تندرج في إطار هذه الدراسة، باستثناء اثنتين، مسجلة لدى السلطات المختصة. ومع ذلك، فإن معظم المعلومات المتوفرة حول الملكية مؤرخة، حيث سُجلت في بعض الحالات بيانات غير متناسقة أو لم يتم التحقق منها.

والواقع أن قطاع الإعلام ليس في منأى عن الضبابية التي تلقي بظلالها على القطاع المالي في المغرب، حيث توضح بيانات السجل التجاري أن 40% من الشركات لا تقدم ميزانيتها العمومية لهذا الأخير. وفي إطار هذه الدراسة، لم تكشف 16 من أصل 40 شركة شملها الاستطلاع عن معلومات متعلقة بوضعها المالي (الإيراد، المساهمون، عدد الأسهم في رأس المال)، وذلك رغم وجود ضوابط بشأن الشفافية. ومن بين الشركات الـ17 التي أجابت عن الأسئلة الواردة في استطلاع مرصد ملكية وسائل الإعلام، قدمت 3 شركات معلومات متضاربة بين تلك المصرح بها علانية بشأن هياكلها وتلك التي أدلى بها أصحابها مباشرة.

وهناك عدد من الشركات التي لم تقم بتحديث نظامها الأساسي الوارد في السجل المركزي للمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية (أومبيك)، رغم أن رأسمالها شهد بعض التغييرات أو يشتبه في أنه خضع لبعض التغييرات. كما تجدر الإشارة إلى اعتراض فريق مرصد ملكية وسائل الإعلام على الرفض الذي قوبل به من الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (هاكا) عندما طُلبت منها معلومات محدثة عن الشركات الفاعلة في هذا القطاع، علماً أن هذه الشركات تصرح لها بتلك البيانات على أساس سنوي.

مرصد ملكية وسائل الإعلام

رأى مرصد ملكية وسائل الإعلام النور بناءً على مبادرة من منظمة مراسلون بلا حدود وبتمويل من الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية، وهو عبارة عن مشروع شامل يُعنى بالبحث والمناصرة في سبيل تعزيز الشفافية والتعددية الإعلامية على الصعيد العالمي. وقد أُجريت هذه الدراسة في المغرب بالشراكة مع لو ديسك، علماً أن مشروع مرصد ملكية وسائل الإعلام نُفِّذ منذ عام 2015 في كل من كولومبيا وكمبوديا وتونس وتركيا وأوكرانيا وبيرو والفلبين ومنغوليا وصربيا وغانا والبرازيل. وبالإضافة إلى المغرب، سيشهد هذا العام إنجاز دراسة في نفس الإطار بكل ألبانيا والمكسيك أيضاً.

أُطلق لو ديسك (www.ledesk.ma) في سنة 2015، وهو موقع إخباري واستقصائي مستقل وتفاعلي. وقد خرج إلى الوجود على يد ثلاثة صحفيين ومؤسَسين-شريكَين آخرَين بناءً على قناعة مشتركة بضرورة إحداث منبر إعلامي مهني وذا مصداقية ومبتكر وبشكل جديد في المغرب. وإدراكاً منه للدور الحيوي الذي يجب أن يضطلع به الإعلام اليوم – والمتمثل في الإخبار بشكل مستقل حول القضايا التي تستأثر باهتمامات المواطنين – راهن لو ديسك على منح زمام المبادرة لقرائه، الذين لهم القدرة على ضمان استمرارية هذا المشروع واستقلالية خطه التحريري.

بيانات الاتصال:

لو ديسك:

فاطمة الزهراء القادري:

+212 (0) 5 224 52426 / +212 (0) 6 117 13357 – [email protected]

مكتب مراسلون بلا حدود في ألمانيا:

كريستوف دراير، مسؤول العلاقات الإعلامية:

+49 (0) 30 6098 9533 55 – [email protected]

Publié le
Updated on 18.12.2017