رسالة مفتوحة من منظمة مراسلون بلا حدود إلى الرئيس الجديد لجمهورية مصر العربية

عشية تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيساً جديداً لجمهورية مصر العربية، وجهت مراسلون بلا حدود رسالة إلى الرئيس المُنتخب في أواخر شهر مايو\\أيار 2014، حيث تدعوه المنظمة إلى الحرص على ضمان حرية الصحافة وحرية الإعلام من جهة، وإطلاق سراح جميع الفاعلين الإعلاميين المعتقلين، من جهة أخرى.

 

السيد عبد الفتاح السيسي

رئيس جمهورية مصر العربية

القاهرة

مصر

باريس، 5 يونيو\\حزيران 2014

 سيدي الرئيس،

 على إثر انتخابكم مؤخراً رئيساً لجمهورية مصر العربية، أصبحتم الآن تضطلعون بمسؤولية جديدة ممتدة على أربع سنوات، حيث تتجلى مهمتكم في حماية الدستور المصري، وما ينص عليه من حريات أساسية لجميع المواطنين المصريين والرعايا الأجانب المقيمين في بلدكم.

 وفي هذا الصدد، تود مراسلون بلا حدود، المنظمة المدافعة عن حرية الإعلام، أن تُعرب لكم عن بالغ قلقها بشأن الوضع الحالي لحرية الإعلام في مصر، وذلك بعد مضي ثلاث سنوات عن رحيل حسني مبارك.

 إن اعتماد الدستور الجديد، بموجب استفتاء شعبي في يناير\\كانون الثاني، يمثل خطوة مهمة إلى الأمام لما يضمنه من حقوق على صعيد حرية الصحافة وحرية التجمع والتظاهر. ومن شأن هذا النص أن يمهد الطريق لكي تتقدم مصر خطوة أخرى في مسيرتها نحو الديمقراطية، شريطة أن تُطبق المواد المتعلقة بالحريات الأساسية، ولا سيما المادتان 70 و71، بحذافيرها وتُحترم على النحو المنصوص عليه في الدستور.

 وعلى الرغم من هذه الضمانات القانونية، فإن الواقع الذي يواجهه الإعلاميون على أرض الواقع مختلف تمام الاختلاف. ففي مناخ يطغى عليه الإفلات التام من العقاب، قُتل ستة صحفيين أثناء تأدية مهامهم منذ إقالة الرئيس محمد مرسي واستلامكم مقاليد الحكومة الانتقالية في يوليو\\تموز 2013، علماً أن لجنة حماية الصحفيين صنفت مصر بين البلدان الثلاثة الأكثر دموية بالنسبة للإعلاميين في عام 2013.

وفي الوقت نفسه، فإن وسائل الإعلام والصحفيين التابعين للإخوان المسلمين، أو الذين يُعتبرون مقربين من الجماعة، كانوا ومازالوا مستهدفين بشكل منهجي، حيث لا تقتصر ملاحقة الإخوان على الصحفيين المصريين، بل تشمل أيضاً نظراءهم الأتراك والفلسطينيين والسوريين وذلك في تعارض تام مع بعض أحكام الدستور الجديد، إذ تلجأ السلطات إلى ذرائع واهية لإبقائهم قيد الاحتجاز، علماً أنها ألقت القبض على أكثر من ستين فاعلاً إعلامياً، ناهيك عن الحظر المفروض على بعض وسائل الإعلام وإغلاق بعض المؤسسات الإعلامية الأخرى.

 فحتى يومنا هذا، لا يزال سبعة عشر صحفياً محتجزين ظلماً وعدواناً في مصر، ومن بينهم أربعة من صحفيي الجزيرة؛ ويتعلق الأمر بكل من الأسترالي بيتر غريست، ومحمد عادل فهمي، الذي يحمل الجنسيتين الكندية والمصرية، والمصري باهر محمد، وهم يقبعون في الحبس الاحتياطي منذ إلقاء القبض عليهم يوم 29 ديسمبر\\كانون الأول 2013، حيث يحاكمون بتهمة محاولة إضعاف هيبة الدولة وتكدير السلم العام وحيازة منشورات خاصة بجماعة الإخوان المسلمين. من جهته، لا يزال مراسل الجزيرة عبد الله الشامي قابعاً في السجن منذ 14 أغسطس\\آب دون أن تُوجَّه إليه أية تهمة رسمية حتى الآن، علماً أنه يخوض إضراباً عن الطعام منذ 21 يناير\\كانون الثاني احتجاجاً على اعتقاله التعسفي. وفي هذا الصدد، تُذكر مراسلون بلا حدود بضرورة معاملة الإعلاميين معاملة عادلة ومنصفة وفقا لمعايير العدالة الوطنية والدولية.

سيدي الرئيس، إن مسؤوليتكم تفرض عليكم ضمان الحماية اللازمة للصحفيين من أجل أداء دورهم الإعلامي بكل حرية وأمان، وخصوصاً عندما يقومون بتغطية المسيرات أو المظاهرات. ففي 28 مارس\\آذار 2014، اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قراراً بشأن تعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق الاحتجاجات السلمية. ويعترف هذا القرار (المعدل A/HRC/25/L.20) بالدور الأساسي الذي يلعبه الصحفيون في تغطية المظاهرات، كما يحدد مجال عملهم في تلك الظروف، مطالباً في الوقت ذاته جميع الدول بإيلاء اهتمام خاص لسلامتهم.

 كما يبدو لنا من الضروري أن تصبح تعددية الإعلام والآراء حقيقة واقعة، بعدما قُوضت بشكل خطير خلال السنوات الثلاث الماضية. فاحترامها على هذا النحو يمثل دعامة أساسية من دعائم القيم الديمقراطية. وعلاوة على ذلك، نود أن نعرب عن عميق قلقنا إزاء إعلان الكوميدي باسم يوسف وقف برنامجه الشهير البرنامج يوم 2 يونيو\\حزيران 2014 بسبب الضغوط الكبيرة التي تعرض لها، دون إغفال قرار منع نادر فرجاني من مواصلة الكتابة في أعمدة الأهرام بعد سلسلة مقالاته التي اعتُبرت ناقدة لكم . كما أظهرت الأحداث الأخرى التي وقعت يوم الانتخابات الرئاسية انعدام الحياد والاستقلالية لدى عدد من الصحفيين، حيث هاجم بعضهم الناخبين الممتنعين عن التصويت متهمين هذه الفئة بـخيانة الوطن.

 كما لم يسلم الإنترنت من هذه الأجواء العكرة، حيث ازداد قلقنا بعد إعلان وزارة الداخلية مؤخراً تقديم مشروع جديد بشأن رصد المخاطر الأمنية على الشبكات الاجتماعية. فهذا المرصد الذي يرى النور بغرض مكافحة جرائم الفضاء الإلكتروني والتصدي لها إنما يشكل تهديدا خطيراً لحرية الإعلام وحرية التعبير، وقد يتحول إلى أداة للرقابة في نهاية المطاف.

 وإذ تدرك مراسلون بلا حدود حجم المشاريع والتحديات الملقاة على عاتقكم بصفتكم رئيساً لجمهورية مصر العربية، فإنها تدعوكم لضمان تطبيق مقاصد الدستور الجديد على النحو الأمثل واحترام التزامات مصر الدولية على صعيد الحريات الأساسية، وفي مقدمتها حرية الإعلام.

 تفضلوا سيدي الرئيس بقبول أسمى عبارات الاحترام والتقدير.

كريستوف ديلوار

الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود

Publié le
Updated on 16.04.2019