رسالة مفتوحة إلى أعضاء هيئة صياغة مشروع الدستور الليبي
بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، تدعو مراسلون بلا حدود وعشر منظمات أخرى معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان هيئة صياغة مشروع الدستور الليبي إلى تعديل بعض المواد المتعلقة بحماية حرية التعبير والصحافة.
ولا تزال ليبيا تُعد من أخطر البلدان بالنسبة للصحفيين، علماً أنها تحتل حالياً المرتبة 163 على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته مراسلون بلا حدود. ومن شأن دستور حريص على ضمان حرية الصحافة وسرية المصادر وسلامة الصحفيين أن يشكل رسالة قوية لجميع أولئك الذين ينتهكون حرية الإعلام يومياً، ناهيك عن تمهيد الطريق لمكافحة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين. ولهذه الغاية، وجهت عدة منظمات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان رسالة مفتوحة إلى أعضاء لجنة صياغة الدستور الليبي.
تونس، 2 نوفمبر 2017
ترفع المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان تهانيها إلى هيئة صياغة مشروع الدستور الليبي، الذي تم التوقيع على مسودته الأخيرة في البيضاء بتاريخ 29 يوليو الماضي بحضور 43 عضواً من أصل 60.
كما تشيد المنظمات الموقعة على هذه الرسالة المفتوحة بما بذله أعضاء البرلمان الليبي من جهود حثيثة حتى الآن، مُذكرة في الوقت ذاته بأن الدستور يشكل ركناً أساسياً في بناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتعددية.
ومن خلال تحليل المواد المتعلقة بحرية التعبير والنشر والصحافة والإعلام والشفافية والحق في الوصول إلى المعلومات، تبيَّن أن هناك عدم تطابق مع المعايير الدولية المتعلقة بمسألة حرية التعبير.
وعلى هذا الأساس، تقترح المنظمات الموقعة مجموعة من التوصيات الرامية إلى جعل مشروع الدستور يتماشى مع التزامات ليبيا الدولية فيما يتعلق بحماية حرية الصحافة والإعلام، بما يضمن الحقوق والحريات لكافة المواطنين ويعكس تعددية المجتمع الليبي.
ضمانات غير كافية على صعيد حرية التعبير
تلاحظ المنظمات الموقعة أن الصيغة الحالية للدستور تعترف بالحق في حرية التعبير على نحو محدود، بما يتيح للعديد من البنود الدستورية أن تُقيد حرية التعبير وألا تعترف بها إلا جزئياً.
وبينما تنص المادة 37 بشكل غامض على حرية التعبير والنشر باعتبارها من الحريات المصونة، فإن الاتفاقات الدولية التي تُعد ليبيا طرفاً فيها، وعلى وجه التحديد المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ترسِّخ مبدأ حرية التعبير وتحدِّد بدقة القيود التي من الممكن وضعها في هذا الصدد، على نحو محدود، وفقاً لمعايير الشرعية والمشروعية والضرورة. وبناءً عليه، ينبغي أن تعكس المادة 37 هذه المضامين من خلال نفس التعابير.
وتنص المادة نفسها على أن تتخذ الدولة التدابير اللازمة لحماية الحياة الخاصة وحظر التحريض على الكراهية، لكن دون أن تقدم تعريفاً واضحاً لهاذين المصطلحين. كما تتضمن هذه المادة تقييداً لحرية التعبير نظراً لما تنطوي عليه من غموض فيما يتعلق بحدود هذه الحقوق، مما يشكل تعارضاً مع أحكام المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تؤكد على حق كل إنسان في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
حماية غير كافية لاستقلالية وسائل الإعلام
ترحب المنظمات الموقعة بما تعكسه المادة 38 من رغبة في حماية تعددية وسائل الإعلام واستقلاليتها. ومع ذلك، فإنه يتعين على الهيئة التأسيسية أن تُحدِّد بوضوح الوسائل المتاحة للدولة للحد من تمركز وسائل الإعلام وضمان تعددية الرأي.
كما نلاحظ أن عدم إيجاز الحبس الاحتياطي في قضايا الصحافة لا يكفي لضمان حرية التعبير بشكل كامل، علماً أن عدم إتاحة حل المؤسسات الإعلامية إلا بأمر قضائي يُعتبر ضمانة غير كافية ضد القيود التعسفية المفروضة على حرية التعبير.
كما يتعين أن يشير مشروع الدستور بشكل صريح إلى المجلس الأعلى للإعلام باعتباره هيئة دستورية، وأن يخصص له مادة قائمة بذاتها. كما ينبغي أن يحدد النص تشكيلة المجلس وصلاحياته وضمانات استقلاليته. ويجب أن يقتصر دور هذا المجلس فقط على تنظيم قطاع الإعلام السمعي البصري. وفي هذا الصدد، فإن المادة 163 المتعلقة بـ هيئات أخرى لا تضمن استقلالية السلطات التنظيمية لوسائل الإعلام، كما لا تلبي متطلبات المعايير الدولية في هذا الشأن.
كما نُذكر أعضاء هيئة صياغة مشروع الدستور الليبي بأنه طبقاً للمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (وتفسير لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تعليقها العام رقم 34)، فإن القيود المفروضة على حرية التعبير لا يمكن فرضها إلا إذا كانت محددة بنص القانون، كما يجب أن تكون ضرورية ومتناسبة مع السعي إلى تحقيق أحد الأهداف المحددة في النص، أي احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، أو حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
من الضروري إعادة صياغة المادة المتعلقة بالحق في الوصول إلى المعلومات
تنص المادة 46 المتعلقة بالشفافية والحق في المعلومات على ضمان حرية تلقي ونقل وتبادل المعلومات، إلا أنها لا تستوفي الشروط المنصوص عليها في المعايير الدولية. وعلاوة على ذلك، فإن ضمان الدولة لحق الحصول على المعلومات يجب أن يُحدَّد طبقاً لمقتضيات القانون الدولي، وخاصة المعايير المتعلقة بالحق في الوصول إلى المعلومات وحماية البيانات الشخصية ومكافحة الفساد والشفافية.
تقييد للحقوق والحريات في إطار يفتقد إلى الدقة الكافية
تفتقر المادة 65 المتعلقة بضوابط القيد على ممارسة الحقوق والحريات إلى الوضوح، إذ ينبغي أن تنص بشكل صريح على ضرورة تحديد تلك الضوابط بموجب نص قانوني، كما يجب أن تكون تلك الضوابط ضرورية لتحقيق هدف مشروع ومتناسبة مع ذلك الهدف.
كما نبدي قلقنا إزاء الإشارة المتكررة إلى الشريعة الإسلامية في المواد 6 و153 و161 دون ذكر الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية. ففي الجوانب المتعلقة بالحقوق والحريات في وثيقة بأهمية النص الدستوري، من الواجب الإشارة بالأساس إلى المعايير الدولية ذات الصلة، مع التنصيص صراحة على عدم جواز تداخل القيم الدينية مع الاعتراف بهذه الحقوق والحريات وضمانها، مع إمكانية الاشارة إلى القيم الدينية فقط في التوطئة.
كما تود المنظمات الموقعة أن تعرب عن عدم رضاها على مضمون الأحكام الواردة في الباب الثاني المتعلق بالحقوق والحريات والباب السابع المتعلق بالهيئات الدستورية، لما تتضمنه من مفاهيم غير معروفة بالقانون الدولي وغاية في الغموض. وهذا النقص الحاد في الدقة يمكن أن يؤدي بطبيعة الحال إلى تفسيرات تعسفية تنتهك حقوق الإنسان والحريات العامة ولا تحميها.
التوصيات الرئيسية:
من هذا المنطلق، نحث أعضاء لجنة صياغة الدستور الليبي وأعضاء مجلس النواب على ما يلي:
- إعادة صياغة المادتين 37 و38 المتعلقتين بحرية الإعلام والنشر، وذلك بالإشارة إلى المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تكرس مبدأ حرية الإعلام والتعبير، من خلال تأكيد عدم ممارسة رقابة مسبقة على هذا الحق .
- توفير ضمانات دستورية لحرية الإعلام وإلغاء أي نوع من عقوبات الحبس في جرائم الصحافة.
- إعادة صياغة المادة 46 المتعلقة بالشفافية والحق في المعلومات، بحيث تعزز الوصول إلى المعلومات والحصول عليها وتداولها في الإعلام بما يضمن الشفافية ومكافحة الفساد ويصون حقوق الصحفيين وسرية المصادر الإعلامية، وفقاً للمعايير الدولية.
- توضيح الضوابط الواردة في المادة 65 والمتعلقة بالقيد على ممارسة الحريات والحقوق. كما نقترح في هذه الفقرة الإشارة إلى أحكام القانون الدولي التي تنص على أن أي تقييد يكون بموجب نص قانوني، كما يجب أن تكون تلك الضوابط ضرورية لتحقيق هدف مشروع ومتناسبة مع ذلك الهدف، بحيث لا يكون هناك مجال لأي إخلال بالمكتسبات المحققة على صعيد حقوق الإنسان والحريات الأساسية من خلال أية مادة من مواد الدستور. ولابد من احترام التناسب بين الضوابط وموجباتها.
- استحداث مادة دستورية تضمن الاعتراف الكامل بالسلطة الإعلامية للمجلس الأعلى للإعلام باعتباره هيئة دستورية كسائر الهيئات الدستورية الأخرى. ويتولى هذا المجلس تنظيم قطاع الإعلام السمعي البصري ومنح التراخيص لمحطات الإذاعة وقنوات التلفزيون. كما يتعين منح المجلس الأعلى للإعلام دوراً استشارياً في إعداد القوانين ذات الصلة بالقطاع.
وإذ نشكركم مسبقاً على حسن اهتمامكم بتوصياتنا هذه، تفضلوا بقبول أسمى عبارات الاحترام والتقدير.
المنظمات الموقعة:
- مراسلون بلا حدود
- ARTICLE 19
- المركز الليبي لحرية الصحافة
- المنظمة الليبية للمٌساعدة القانونية
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مركز ليبيا المستقبل للإعلام والثقافة
- جمعية الرحمة للأعمال الخيرية والإنسانية
- المجموعة الليبية المتطوعة لرصد انتهاكات حقوق الإنسان
- محامون لأجل العدالة في ليبيا
- شبكة مدافعات
- حقوقييون بلا حدود