بعد أسبوع من دعوى مراسلون بلا حدود ضد محمد بن سلمان، الصمت التام يخيِّم على وسائل الإعلام السعودية

بعد مضي أسبوع كامل على الدعوى الجنائية التي رفعتها مراسلون بلا حدود ضد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تلاحظ المنظمة صمتًا تامًا عن هذه القضية في وسائل الإعلام بالمملكة، مما يؤكد مدى السيطرة المفروضة على المشهد الإعلامي واضطهاد الصحفيين في البلاد.

في 2 مارس/آذار، رفعت مراسلون بلا حدود دعوى جنائية أمام القضاء الألماني ضد محمد بن سلمان والعديد من معاونيه المقربين بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، حيث شملت الوثيقة المقدمة إلى المحكمة جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي واحتجاز حوالي 30 آخرين. وبينما لقي الخبر تفاعلاً كبيراً في وسائل الإعلام الدولية الناطقة بالعربية مثل بي بي سي وفرانس24 وإذاعة مونتي كارلو الدولية وقناة الحرة، فضلاً عن جريدة العربي الجديد التي تتخذ من لندن مقراً لها ووكالة أناضول التركية للأنباء والقناة التركية TRT، لم تحرك الصحافة السعودية ساكناً في هذا الشأن.


ذلك أن وسائل الإعلام المحلية، ولا سيما قناة العربية ووكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، تجاهلت الخبر بكل بساطة رغم أنه تصدر العناوين في مختلف المنابر الإعلامية الدولية، من واشنطن بوست إلى لوموند الفرنسية، في حين واصلت بقية الصحف الصادرة بالمملكة مواضيع عادية بعيدة كل البعد عن الحدث الذي استأثر بالرأي العام الدولي، حيث عنونت جريدة سعودي جازيت إحدى مقالاتها بعبارة "الملك وولي العهد يهنئان الرئيس البلغاري بمناسبة العيد الوطني".


وتواصل التعتيم الإعلامي السعودي حتى 6 مارس/آذار عندما غرد المحلل السياسي تركي الحمد قائلاً: "حتى لو كان محمد بن سلمان ضلع في مقتل خاشقجي، وهو أمر مستحيل، فهو أنبل من ذلك جدا، أقول "حتى"، فلن أراهن بمستقبل بلد كامل، وأمل وطن بأسره، بجريمة قتل الله أعلم بخفاياها، وفرد باع نفسه قبل أن يبيعه غيره، وورقة سياسية يتلاعبون بها". ومن المفارقات أن هذا الأكاديمي، الذي يتابعه أكثر من 400 ألف شخص على تويتر، كان قد اعتُقل بدوره في ديسمبر/كانون الأول 2012 حيث تضامن معه جمال خاشقجي في تلك المحنة، كما أوضح بعض المعلقين على التغريدة.


وفي هذا الصدد، قالت صابرين النوي، مسؤولة مكتب الشرق الأوسط في مراسلون بلا حدود، "إن صمت الإعلام السعودي يدل على مدى تكميم الصحافة في المملكة. فمثل هذا الخبر، الذي يهم شخصية سياسية أساسية مثل ولي العهد والحاكم الفعلي في المملكة، كان من شأنه أن يتصدر عناوين الصحف في أي بلد آخر حيث الصحافة حرة ومستقلة"، مضيفة أن "عدم الإخطار عن هذا الحدث بأي شكل من الأشكال إنما هو في الواقع انعكاس صريح لمناخ الرقابة الذاتية التي تثقل كاهل الصحفيين، الذين كان من المفترض أن يخصصوا تغطية واسعة لقضية بهذا الحجم".


بيد أن رفع السرية في 26 فبراير/شباط عن تقرير وكالة المخابرات المركزية قبل أيام من الدعوى التي رفتها مراسلون بلا حدود قُوبل بدعم كبير لمحمد بن سلمان من حسابات مجهولة على تويتر، حيث تصدر هاشتاغ "#كلنا_محمد_بن_سلمان" موقع تويتر في السعودية غداة إعلان الدعوى الجنائية ضد ولي العهد، وذلك بواسطة ما يُصطلح عليه بـ"الذباب الإلكتروني"، وهو جيش من الحسابات الآلية ذات الصلة بالسلطات الحاكمة، في محاولة لخلق الانطباع بأن الأمر يتعلق بدعم شعبي عفوي. وفي هذا السياق، اتهمت تلك الحسابات المجهولة الولايات المتحدة بعدم تقديم أي دليل على ما خلص إليه التقرير الاستخباراتي، بينما تناقلت في المقابل صورة لولي العهد برفقة وفد حل بالمملكة لاختتام سباق الجائزة الكبرى للفورمولا إي المنظم للسنة الثالثة على التوالي في الدرعية بضواحي العاصمة الرياض.


يُذكر أن المملكة العربية السعودية تقبع في المرتبة 170 (من أصل 180 بلداً) على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته مراسلون بلا حدود في 2020.

Publié le
Updated on 11.03.2021