الصحفيون، ضحايا لعبة تجاذب السلطة بين القادة الفلسطينيين

وقفة احتجاجية نظمتها النقابة بالتعاون مع هيئة الاذاعة والتلفزيون والهيئة المستقلة امام مقر الهئية في مدينة رام الله   بعد اعتقاله بستين يوماً في مدينة غزة، تم بتاريخ 13 أغسطس/آب إطلاق سراح الصحفي الفلسطيني المقرّب من حركة فتح، فؤاد جرادة. وخلال اليومين التاليين، تم في الضفة الغربية إطلاق سراح ستة صحفيين يعملون لصالح وسائل إعلامية مقرّبة من حركة حماس بعد أن كانت أجهزة استخبارات السلطة الفلسطينية قد احتجزتهم لعدة أيام.   وقد صرّحت منظمة مراسلون بلا حدود: نرحّب بإطلاق سراح الصحفيين، إلا أننا نشجب استخدام الصحفيين كأدوات مساومة من قبل الخصوم السياسيين. كما نطالب بإسقاط كافة التهم الموجهة بحقّ بعض الصحفيين الذين يُحاكمون لنشر معلومات يُزعم أنها تهدد ’سلام وأمن البلاد الداخلي والخارجي‘. ونودّ الإشارة في هذا الصدد إلى أن مكان الصحفيين ليس خلف القضبان أو الخضوع لمحاكمة عسكرية، وهو الخطر الذي يواجهه الصحفي فؤاد جرادة.     بينما تزداد العلاقات بين حماس وفتح تدهوراً، يجد الصحفيون أنفسهم على الخط الأمامي في خضم التوتر السياسي بين الإخوة الأعداء في سدة الحكم داخل الأراضي الفلسطينية. وفي هذا الصدد، تدين مراسلون بلا حدود تفاقم موجة الاضطهاد الذي تمارسه الحكومة ضد وسائل الإعلام في البلاد. منذ شهري يونيو/حزيران  2017، أقدمت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في غزة على اعتقال العشرات من الصحفيين والصحفيين-المواطنين والتحقيق معهم والزج بهم في السجون. كما هاجمت السلطة الفلسطينية وسائل الإعلام المقربة من خصومها السياسيين، حيث قررت حجب مواقعها وسن تشريعات حول جرائم الإنترنت متضمنة أحكاماً سالبة لحرية تعبير الصحافة على الإنترنت. وفي تقريره الشهري، أوضح المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى)، الذي يتخذ من رام الله مقراً له، أن وتيرة الانتهاكات التي ارتكبتها السلطات الفلسطينية ضد حرية الصحافة قد ازدادت بشكل مهول خلال الشهرين الماضيين، بل إن الانتهاكات المرتكبة من قبل المسؤولين الفلسطينيين في الأشهر الأخيرة فاقت تلك التي اقترفتها السلطات الإسرائيلية، وهو حدث نادر على حد قول المركز. ترهيب في غزة ... يشترك الصحفيون الذين يتعرضون للمضايقات أو التهديدات في تسليط الضوء، من خلال عملهم الإعلامي، على مسؤولية حكومتهم في الأزمات السياسية والإنسانية التي تهز قطاع غزة والضفة الغربية على حد سواء. ويُعد فؤاد جرادة من الإعلاميين الذين وقعوا ضحية لهذه الممارسات في غزة. فباعتباره مقرباً من حركة فتح، يقبع هذا الصحفي الذي يعمل بالتلفزيون الفلسطيني الرسمي، في السجن منذ 8 يونيو/حزيران حيث تبرر الأجهزة الأمنية في غزة اعتقاله بتهمة التخابر مع رام الله، بينما تعتبر نقابة الصحفيين الفلسطينيين هذه التهمة مهزلة. وجدير بالذكر أن فؤاد جرادة كان قد أشار في تقاريره إلى مسؤولية حماس في نقص الكهرباء داخل الأراضي التابعة لحكمها. وفي السياق نفسه، تستهدف السلطات الصحفي عامر بعلوشة بسبب مقالاته التي تُحمل حماس مسؤولية أزمة الكهرباء، ويتعلق الأمر بتقارير نُشرت في صحيفة الحدث - التي تتخذ من رام الله مقراً لها – وجريدة البديل المصرية ذات التوجه اليساري أو بتدوينات تم نشرها في موقع فيسبوك. صحيح أنه تم في نهاية المطاف إسقاط التهم الغامضة المنسوبة إليه – ومن بينها تهمة إساءة استخدام التكنولوجيا التي تشهدها غزة لأول مرة - ولكن إطلاق سراح الصحفي جاء بعدما قضى أكثر من عشرة أيام في الاعتقال بين 4 و16 يوليو/تموز. ومن بين الحالات الأخرى التي وثقتها مراسلون بلا حدود هناك قضية ناصر أبو فول، الصحفي الغزاوي العامل في الشبكة الفلسطينية للصحافة والإعلام، الذي يعتبر بدوره مقرباً من حركة فتح، حيث تم استدعاؤه في 16 يوليو/تموز وإجباره على التوقيع على تعهد خطي باحترام القانون والنظام وعدم كتابة أي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي ضد الحكومة. ... ترهيب في الضفة الغربية أيضاً بدورها، تشهد الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وضعاً مقلقاً تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، التي تستهدف بالأساس الصحفيين الذين يُعتبرون مقربين من حركة حماس أو الأحزاب اليسارية. فتصاعد وتيرة العنف في الضفة الغربية مؤخراً بين الفلسطينيين والإسرائيليين يساهم في جعل حماس كبش الفداء المفضل للسلطات الفلسطينية. ففي 1 يوليو/تموز، تم اعتقال أحمد الخطيب، مصور تلفزيون الأقصى، الذي كان والده من قيادات كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس، علماً أنه ظل عشرة أيام رهن الاحتجاز دون أن توجه إليه أية تهمة. كما أن كل ما له علاقة بالتعاون بين السلطة الفلسطينية والإسرائيليين يدخل في عداد المواضيع الحساسة. وفي هذا الصدد، ظل ظاهر الشمالي، الصحفي المقرب من أحزاب اليسار، رهن الاعتقال لدى المباحث لمدة 16 يوماً، علماً أنها المرة السادسة التي يقف فيها وراء القضبان منذ 2010. فبسبب مقال انتقد فيه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على موقع صحيفة رأي اليوم، تم استدعاؤه في 7 يونيو/حزيران لتوجه إليه تهمة تأجيج التوترات السياسية. وفي 6 يوليو/تموز، اعتُقل جهاد بركات، صحفي قناة فلسطين اليوم، الذي ظل قيد الاحتجاز لمدة ثلاثة أيام، علماً أنه يحاكم على خلفية تصويره موكب رئيس الوزراء الفلسطيني رامي حمد الله، وهو يخضع للتفتيش على أيدي جنود إسرائيليين عند إحدى نقاط التفتيش. وقال الصحفي في حديث لمنظمة مراسلون بلا حدود إن القمع ضد وسائل الإعلام مستفحل منذ شهر. ومن المقرر أن تبدأ محاكمة بركات والشمالي في سبتمبر/أيلول المقبل. وفي هذا الصدد، تطالب مراسلون بلا حدود بالكف عن الملاحقات القضائية التي تطال الصحفيين الفلسطينيين مع وضع حد لحملة الترهيب ضد وسائل الإعلام في غزة والضفة الغربية على حد سواء. كما تدعو المنظمة المعنية بالدفاع عن حرية الصحافة إلى رفع الحجب عن المواقع الإخبارية وإعادة النظر في قانون الجرائم الإلكترونية لضمان حماية حرية الإعلام. فهذه الحملة الترهيبية الجديدة وما يصاحبها من تدابير أمنية لا يمكنها إلا أن تزيد من تعقيد عمل الصحفيين الفلسطينيين، الذين يئنون أصلاً تحت القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية. حجب المواقع على غرار حماس، لا تُبدي السلطة الفلسطينية أي تساهل إزاء الصحفيين الذين يسلطون الضوء على مسؤوليتها في الأزمة التي تشهدها غزة. فخلال شهر يونيو/حزيران، أمرت السلطة الفلسطينية مزودي خدمة الإنترنت بمنع أكثر من عشرين موقعاً إخبارياً في الضفة الغربية، دون تقديم أي مبرر قانوني. وقد تبين أن معظم المواقع المحجوبة منذ يونيو/حزيران موالية لحماس، وإن كان بعضها مقرب من محمد دحلان، رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق في غزة والعضو السابق في حركة فتح، والذي يواجه في الوقت الحالي تهماً بالفساد، علماً أنه استغل السياق الراهن (أزمة الخليج والإرهاب في مصر وتراجع شعبية حماس وفتح) لحشد تأييد عدد من الإخوة الأعداء مثل غزة ومصر وإسرائيل، بدعم إماراتي، حيث أصبح يمثل تهديداً للسلطة الفلسطينية. وكانت وكالة أمد المقربة من دحلان، والتي تتخذ من القاهرة مقراً لها، ضمن المواقع الأولى التي تم حجبها في الضفة الغربية منذ 12 يونيو/حزيران، رغم أن الموقع مرخص من قبل وزارة الإعلام ويخدم الرأي العام، على حد قول مدير المركز سيد عصفور، الذي أكد في تصريح لمركز مدى أن حرية الصحافة في خطر بسبب سياسة السلطة في رام الله. قانون جديد لمكافحة الجرائم الإلكترونية في سياق بيئة متوترة أصلاً، جاءت مصادقة الرئيس محمود عباس يوم 11 يوليو/تموز على قانون جديد بشأن جرائم الإنترنت لتزيد من مخاوف الصحفيين الفلسطينيين الذين يطالبون بمراجعة هذا النص التشريعي لتفادي انتهاك حرية الصحافة. وينص هذا القانون على عقوبة السجن لمدة خمس سنوات على الأقل في حق كل من نشر معلومات أو أفكاراً أو برامج من شأنها الإخلال بالنظام والآداب العامة. وفي هذا الصدد، يخشى الصحفي ظاهر الشمالي أن يمهد هذا القانون الطريق لاعتقال جيش من الصحفيين، بما أنه رأى النور برغبة من الأجهزة الأمنية، مؤكداً في الوقت ذاته أنه تلقى تهديدات عبر مكالمات هاتفية بعد دقائق من نشره على فيسبوك تعليقاً ساخراً حول السلطة الفلسطينية، حيث خاطبه شخص مجهول قائلاً: إما أن تتعقل لوحدك، وإما سنجبرك على ذلك! صحيح أن حماس لم تتخذ خطوات مماثلة، ولكن نظراً لنقص الكهرباء في غزة، فإن أهالي القطاع نادراً ما يستخدمون مواقع الإنترنت للحصول على المعلومات. هذا وتحتل الأراضي الفلسطينية المرتبة 135 في نسخة 2017 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته مراسلون بلا حدود في وقت سابق هذا العام.
Publié le
Updated on 18.12.2017