الصحافة المغربية المستقلة تختنق في مملكة الخطوط الحمراء

بمناسبة الزيارة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للمغرب يومي 19 و 20 سبتمبر\\أيلول، تود منظمة مراسلون بلا حدود أن تعرب عن قلقها العميق إزاء الوضع الحالي لحرية الإعلام في البلاد، حيث من الممكن أن يؤدي التطرق إلى المواضيع المحرمة  - مثل النظام الملكي أو الوحدة الترابية - إلى عقوبات شديدة. في المغرب، لا يزال الصحفيون يواجهون نفس الخطوط الحمراء المتمثلة في الدين الإسلامي والوحدة الترابية (الصحراء الغربية) والنظام الملكي، وهي المواضيع التي تدخل في عداد القضايا الحساسة للغاية. فمنذ بداية العام الجاري، وثقت مراسلون بلا حدود العديد من الانتهاكات ضد الصحفيين، الذين يتعرضون للضغوط بمختلف أشكالها وأنواعها، إذ غالباً ما يُتهمون إما بالتشهير أو بنشر أخبار كاذبة كلما تعلق الأمر بانتقاد سياسة القصر أو بالقضايا التي لها علاقة بأعضاء الحكومة، علماً أن السلطات تستهدف منذ سنوات بعض الإعلاميين بالتحديد. مضايقة الصحفيين بعدما مُنع من ممارسة مهنة الصحافة لمدة عشر سنوات بموجب حكم قضائي صادر في عام 2005 بتهمة التشهير، اعتصم علي لمرابط أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف أواخر يونيو\\حزيران الماضي، حيث خاض إضراباً عن الطعام لأكثر من شهر احتجاجاً على الإدارة المغربية التي رفضت تسليمه وثائق الهوية الوطنية الضرورية لاستئناف نشاطه الإعلامي، وهو الذي كان يدير مجلتين ساخرتين. هذا ويتعرض لمرابط لمضايقات من السلطات منذ عام 2000، حيث حُكم عليه أيضاً بثلاث سنوات سجناً في 2003 بتهمة إهانة شخص الملك وتهديد الوحدة الترابية و زعزعة النظام الملكي. وبدورها، تكشف قضية علي أنوزلا الضغوط القانونية المسلطة على رقاب الصحفيين الذين يجرؤون على مناقشة المواضيع التي يعتبرها النظام الملكي في عداد المحرمات. ففي عام 2013، قضى أنوزلا خمسة أسابيع في السجن على ذمة التحقيق بتهمة الإرهاب بعدما نشر رابطاً إلكترونياً يحيل على مقال لموقع يومية إل باييس الإسبانية، حيث كانت تلك الصفحة تُظهر شريط فيديو منسوب لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وفي الآونة الأخيرة، أطلق أنوزلا موقعاً إخبارياً جديداً يحمل اسم لكم2 إثر إغلاق جريدته الإلكترونية الأولى لكم قبل عامين. كما طالت سلسلة الاعتقالات المدون والصحفي الشاب محمود الحيسن، مراسل تلفزيون البوليساريو. فرغم إطلاق سراحه في فبراير\\شباط الماضي بعدما قضى ثمانية أشهر رهن الاحتجاز، إلا أنه مازال متابَعاً بتهمة المشاركة في تجمهر مسلح وعرقلة السير ومواجهة أفراد القوة العمومية وإتلاف الممتلكات العامة. وكان هذا الصحفي قد غطى المظاهرات السلمية التي نظمها بعض الصحراويين في مدينة العيون شهر يونيو\\حزيران 2014 خلال نهائيات كأس العالم لكرة القدم في البرازيل، حيث فرقتهم الشرطة بعنف عقب إطلاق شعارات سياسية تنادي باستقلال الصحراء الغربية، علماً أن اعتقال الصحفي جاء على خلفية قيامه بتصوير مظاهر ذلك التدخل العنيف. وبسبب نشر مقال في يناير\\كانون 2015 عن انفجار سيارة في مكناس، اتُهم حميد المهدوي مدير موقع بديل.أنفو المستقل بنشر خبر زائف ووقائع غير صحيحة، بسوء نية بغاية إثارة الفزع بين الناس، وإصدار جريدة غير مرخصة بعد الشكوى التي تقدم بها محافظ المنطقة، حيث فضلت السلطات الرواية القائلة باحتراق السيارة من تلقاء نفسها. وقد حُكم على الصحفي بغرامة مالية في أغسطس\\آب مع إيقاف موقعه لمدة ثلاثة أشهر. وقبل ذلك بأسابيع، حوكم المهدوي في قضية كريم لشقر، الشاب الذي توفي بعد اعتقاله في مركز الشرطة، حيث اتُهم موقع بديل.أنفو ومديره بنشر مقالات كاذبة حول هذا الموضوع. وبعد الشكوى التي تقدم بها المدير العام للأمن الوطني، حُكم بالسجن لمدة أربعة أشهر مع وقف التنفيذ على الصحفي ومصدره، مع غرامة مالية وتعويض مادي. وفي يوليو\\تموز 2015، حُكم على الصحفي رشيد نيني، مدير صحيفة الأخبار، بدفع غرامة باهظة بعد اتهامه بالتشهير في حق وزير التجهيز والنقل بعد أن نشرت جريدته مقالين يتهمان شركة بناء بـاستخدام مواد غير مطابقة لدفتر التحملات في تشييد أحد أجزاء الطريق السيار، علماً أن الصحفي استأنف الحكم الابتدائي الصادر ضده. كما حُوكم الموقع الإخباري كود ومديره أحمد نجيم في يونيو\\حزيران بالتشهير والإهانة، إثر نشر مقال يتهم المستشار الخاص للملك بالفساد. وفي حال خسارة الاستئناف، سيتعين على الموقع والصحفي دفع غرامة وتعويضات باهظة. اصمتوا... إنكم مراقَبون! سواء تعلق الأمر بصحفيين محتفرين أو بمدونين هواة، فإن الإنترنت لا يسلم بدوره من الرقابة. ففي 16 سبتمبر\\أيلول، دخل المعطي منجب، رئيس جمعية الحرية الآن والجمعية المغربية للصحافة الاستقصائية، إضراباً مفتوحاً عن الطعام احتجاجاً على مضايقات السلطات، حيث اعتقلته الشرطة بتهمة المس بسلامة الدولة. وبالإضافة إلى تعليق الأنشطة التدريبية لفائدة الصحفيين الإلكترونيين في جمعية الحرية الآن، قامت السلطات باستجواب أعضاء الجمعية المغربية للصحافة الاستقصائية، التي حُكم على مدير مشاريعها، هشام منصوري، في مارس\\آذار الماضي بالسجن 10 أشهر بتهمة الخيانة الزوجية إثر محاكمة مشكوك في نزاهتها. وفي يونيو\\حزيران الماضي، رفعت وزارة الداخلية المغربية دعوى ضد منظمة الخصوصية الدولية وجمعية الحقوق الرقمية، اللتين نشرتا تقريراً يدين ما تمارسه السلطات المحلية من تجسس وتنصت على الصحفيين والمدونين. وقد يتم في أي وقت استدعاء أو اعتقال أعضاء جمعية الحقوق الرقمية والشهود الذين أدلوا بتصريحاتهم في التقرير، علماً أنه تم استجواب نائبة رئيسة الجمعية، كريمة نادر، لخمس ساعات يوم 8 سبتمبر\\أيلول في مركز الفرقة الوطنية للشرطة القضائية. كما تطال سياط الرقابة والضغط الحكومي الصحافة الأجنبية كذلك. فبين يناير\\كانون الثاني وفبراير\\شباط، تم ترحيل صحفيين فرنسيين عاملين في شبكة قنوات فرنسا ومحطة فرانس 24 بسبب تصوير مشاهد دون ترخيص، علماً أنهم طلبوا إذناً رسمياً للتصوير ولكن دون تلقي أي رد من السلطات المختصة. يُذكر أن السلطات المغربية عادة ما تتحفظ من التقارير التي تنشرها مراسلون بلا حدود حول مسألة حرية الصحافة. وبينما تعتبر الدوائر الرسمية أن البلاد تحقق تقدماً في هذا المجال، نُلاحظ في المقابل تدهوراً بطيئاً - وإن كان بوتيرة منتظمة – على مستوى حرية الإعلام. صحيح أن مشروع إصلاح قانون الصحافة والنشر كان يحمل في طياته بصيصاً من الأمل، إلا أنه لم ير النور بعد. وبينما رحبت مراسلون بلا حدود بما أُحرز من تقدم في هذا المجال، من قبيل حذف عقوبة السجن على جنح الصحافة، فإن مثل هذه الخطوات تبقى في نظرها غير كافية، في حين يبدو أن الطريق مازال طويلاً قبل أن يقول البرلمان كلمته في هذا الشأن. ويقبع المغرب في المرتبة 130 (من أصل 180 بلداً) على التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي نشرته منظمتنا مطلع 2015.
Publié le
Updated on 16.04.2019