إذا كان الإطار القانوني والتنظيمي مواتٍ لحرية الصحافة والاستقلالية التحريرية، فإن الأدوات المسخرة لمكافحة تضارب المصالح وحماية سرية المصادر لا تزال غير كافية وغير مناسبة ولا تواكب متطلبات العصر. ويتواصل تقويض قدرة القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية العامة بسبب استمرار نقص التمويل منذ إلغاء رسوم الترخيص. ورغم اعتماد خطة وطنية جديدة للحفاظ على النظام العام بشكل يحترم حرية الصحافة خلال تغطية الاحتجاجات، فإن المراسلين مازالوا يتعرضون لعنف الشرطة من جهة واعتداءات المتظاهرين من جهة ثانية.
المشهد الإعلامي
يوفر المشهد الإعلامي مجموعة واسعة من الخيارات في جميع القطاعات، سواء على المستوى الوطني أو المحلي. ففي الصحافة المكتوبة، تُعد يومية أويست-فرانس الصحيفة الأكثر مبيعاً في البلاد، بينما تتنافس القنوات والمحطات العامة في السوق السمعي البصري مع نظيراتها من القطاع الخاص TF1 وM6 و RTL و BFM TV، إلخ). وفي هذا السياق، أصبح تمركز المجموعات الصحفية الخاصة في أيدي عدد قليل من رجال الأعمال مصدر قلق كبير في البلاد، كما أ إن توسع مجموعة بولوريه (CNews، Paris Match، Europe 1، Le Journal du Dimanche)، التي ضمت إلى إمبراطوريتها مجموعة Lagardère عام 2023، يثير بعض المخاوف في أوساط أهل القطاع بسبب الأساليب الوحشية التي ينتهجها المساهم الأكبر في رأسمال المجموعة وطريقة تدخله في شؤون إدارتها، ناهيك عن غياب التعددية داخل هياكلها، مما يثير قلق أهل القطاع بشأن تغليب الرأي على الحقائق. فقد اعترضت هيئة التحرير على تعيين مدير نشر جديد على رأس صحيفة Le Journal du Dimanche التي استحوذت عليها المجموعة مؤخراً، مما أدى إلى خوض إضراب عن العمل لمدة قياسية بلغت 40 يوماً، قبل أن يغادر عشرات الصحفيين.
السياق السياسي
وسائل الإعلام الفرنسية مستقلة عن السلطة السياسية ويمكنها مساءلة السياسيين خدمةً للمصلحة العامة. بيد أن القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية العامة تئن تحت وطأة نقص التمويل المستمر منذ إلغاء رسوم الترخيص على البث السمعي البصري في عام 2022. أصبحت محاولات الضغط على وسائل الإعلام أكثر تواتراً، سواء من الناحية السياسية أو التجارية. في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن رئيس الجمهورية إطلاق مبادرة وطنية بقيادة لجنة مستقلة لفتح نقاش جماعي حول التحديات التي تواجهها الصحافة.
الإطار القانوني
بشكل عام، يحمي الإطار القانوني الفرنسي حرية الصحافة والصحفيين، ولكن لا تزال هناك أوجه قصور تهدد حماية مصادر الصحفيين، مما يترك ثغرات خطيرة تتيح التحايل على قانون الصحافة وفتح إجراءات قضائية ضد الصحفيين. أما قانون الصحافة في فرنسا، فإذا كان يحدد حقوق وسائل الإعلام وواجباتها (الصدق والاستقلالية وتعددية المعلومات)، فإنه غير كاف لضمان احترامها، إذ لا تتخذ الهيئة التنظيمية للإعلام الرقمي والمسموع والمرئي (أركوم) الإجراءات الكافية لضمان تطبيق التزاماتها. وبناءً على نداء وجهته مراسلون بلا حدود، اتخذ مجلس الدولة قراراً مهماً في فبراير/شباط 2024 يقضي بإلغاء رفض أركوم اتخاذ إجراء في حق قناة سي نيوز التلفزيونية، مما نقطة تحول في تطبيق مبادئ التعددية واستقلالية المعلومات.
السياق الاقتصادي
سُجل انخفاض ملحوظ في عائدات الإعلانات خلال جائحة كوفيد-19، وقد تم تعويضه جزئياً من خلال زيادة الاشتراكات عبر الإنترنت ومساعدات الدولة. هذا ولا يزال الإطار القانوني غير كافٍ لمكافحة تمركز وسائل الإعلام في أيدي مجموعات تجارية معدودة على رؤوس الأصابع.
السياق الاجتماعي والثقافي
ينعكس المستوى العالي من انعدام الثقة تجاه الصحفيين في وقوع هجمات لفظية وجسدية خلال السنوات الأخيرة، خاصة خلال المسيرات المناهضة لسياسات الحكومة في القطاعين الصحي والاجتماعي، كما تعرض الصحفيون للاعتداءات الجسدية وعبر الإنترنت من قبل حركات اليمين المتطرف واليسار الراديكالي والجماعات الإسلامية والجهات التي تروج لنظريات المؤامرة. أما الصحفيون المتخصصون في القضايا البيئية، فإنهم يئنون تحت وطأة الترهيب بشكل مستمر.
الأمن
رغم اعتماد خطة وطنية جديدة للحفاظ على النظام العام بشكل يحترم حرية الصحافة، فإن المراسلين مازالوا يتعرضون لعنف الشرطة من جهة واعتداءات المتظاهرين من جهة ثانية. هذا ويستفيد العديد من الصحفيين من حماية الشرطة بسبب تهديدات الإرهابيين الإسلاميين الذين اغتالوا جزءاً من طاقم الجريدة الأسبوعية الساخرة شارلي إيبدو في عام 2015، ثم عاودوا الهجوم على مقرها في 2020.