التصنيف
Retour au classement
المغرب العربي - الشرق الأوسط
تدهور مقلق في شمال إفريقيا

لم يكن واقع الصحافة مقلقاً إلى هذا الحد في منطقة شمال إفريقيا (دون احتساب مصر)، حيث تشهد ثلاثة بلدان تدهوراً مخيفاً في هذا الصدد. ويتعلق الأمر بكل من الجزائر، حيث تتراجع حرية الصحافة بشكل مثير للقلق بينما أصبحت الاعتقالات تطال الصحفيين بشكل معتاد؛ والمغرب، حيث لا يزال ثلاثة من أبرز رموز الصحافة قابعين في السجن رغم كل الضغوط؛ ثم ليبيا والسودان، حيث يرى المراقبون ومراسلونا أن الصحافة الحرة أصبحت منعدمة في كلا البلدين.

ففي الجزائر، تدهور الوضع بشكل مهول خلال عام 2021، حيث زُج بالعديد من الصحفيين في السجن أو حُوكموا أو مُنعوا من السفر، علماً أن ثلاثة منهم كانوا لا يزالون قيد الاحتجاز بحلول نهاية أبريل/نيسان. وبالإضافة إلى ذلك، تم حجب عدد من المواقع الإخبارية فيما كان الخنق المالي مصير بعض الصحف التي تنتقد الحكومة.

وفي المغرب، سُجل تراجع كبير على مستوى استقلالية الصحافة، حيث باتت المنابر المستقلة في المملكة معدودة على رؤوس الأصابع، بينما تنامت الضغوط على وسائل الإعلام في سياق القضايا الثلاث المتعلقة بالصحفيين توفيق بوعشرين (مايو/أيار 2018) وعمر الراضي وسليمان الريسوني (مايو/أيار 2020)، الذين اعتُقلوا وحُوكموا وزُج بهم في السجن بتهم زائفة. أما في ليبيا والسودان، فإن الوضع أخطر وأكثر تعقيداً، حيث يتعذر على الصحافة الانطلاق نحو درب التحرر في ظل غياب سلطة سياسية حقيقية، مما يجعل من المستحيل على الصحفيين ووسائل الإعلام العمل في ظروف مواتية، ناهيك عن محاولات التحكم في المشهد الإعلامي المرئي والمسموع وسيطرة العسكر على كل مفاصل الدولة، خاصة في السودان.

ويبدو الوضع أقل خطورة في موريتانيا، حيث مكنت المرحلة الديمقراطية الاستثنائية بين عامي 2005 و2008 من إلغاء تجريم جُنح الصحافة وتخفيف الإطار القانوني القمعي. ورغم خطاب السلطات المؤيد للحوار السلمي مع المعارضين، إلا أن الصحفيين يرزحون تحت وطأة هشاشة شديدة تدفع إلى الوقوع في فخ المحاباة أو التحيز أو الرقابة الذاتية. أما في تونس، حيث يُعتبر ترسيخ حرية الصحافة من المكتسبات الثابتة منذ اعتماد دستور جديد في عام 2014، فقد طفت على السطح مخاوف جدية منذ الانقلاب الذي قاده الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021 وما أعقبه من فرض لحالة الطوارئ.

الصحافة معرضة للخطر في الشرق الأوسط

لا يزال الشرق الأوسط بعيداً كل البعد من أن يكون مرتعاً مثالياً لممارسة مهنة الصحافة. ففي عام 2021، شهدت المنطقة مقتل العديد من الفاعلين الإعلاميين أثناء تغطية الأحداث الجارية على الميدان، بينما اغتيل آخرون عمداً بسبب عملهم، كما هو حال الصحفي والمحلل السياسي لقمان سليم، الذي عُثر عليه ميتاً بالقرب من سيارته في لبنان، وهو الذي كان يعلم أنه مستهدف بأيادي الغدر عقب انتقاداته اللاذعة لـ«حزب الله».

ففي هذا البلد، الذي بات مهدداً بالانزلاق نحو دوامة العنف، تضاعفت وتيرة الهجمات الإلكترونية والتهديدات بالقتل ضد الصحفيين، بل وقد خرجت من نطاق الإنترنت لتتجسد على أرض الواقع أيضاً. وأمام تقاعس السلطات، اضطر العديد من الفاعلين الإعلاميين إلى الفرار والعمل من الخارج. وبدورها، تعيش مدينة عدن اليمنية على وقع الأعمال الوحشية ضد الصحفيين، الذين توفي ثلاثة منهم متأثرين بجراحهم في انفجارات أثناء قيامهم بتغطية إخبارية، بينما نجا زميلهم محمود العتمي من محاولة اغتيال بعبوة ناسفة في سيارته، لكن زوجته رشا عبد الله الحرازي فقدت حياتها في الانفجار، وهي صحفية أيضاً.

هذا وقد تواصلت محنة الصحفيين الفلسطينيين، الذين دفعوا ثمناً باهظاً مرة أخرى خلال التوترات التي شهدتها القدس في مايو/أيار 2021، ثم خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة، حيث قُتل صحفيان على إثر الغارات الجوية. وفي أماكن أخرى من المنطقة، لا تزال المملكة العربية السعودية من بين أسوأ السجون بالنسبة للصحفيين على الصعيد العالمي، إلى جانب مصر، علماً أن الرياض توصلت مؤخراً إلى اتفاق مع أنقرة يقضي بتسليم تركيا ملف محاكمة قضية خاشقجي إلى سلطات المملكة.

وفي إيران، تزايدت مصاعب حرية الصحافة خلال عام 2021، حيث أصبح إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية وغلام حسين محسني إيجي رئيساً لجهاز القضاء الإيراني، علماً أنهما يُعتبران المتهمَين الرئيسيَين بارتكاب انتهاكات وجرائم ضد الصحفيين على مدى السنوات الثلاثين الماضية. وفي هذا السياق الجديد، تفاقمت وتيرة الاعتقالات التعسفية والأحكام القضائية ضد الفاعلين الإعلاميين، علماً أن عدداً من الصحفيين القابعين في السجون يُحرمون من الرعاية الصحية.