بعد الارتفاع الحاد في انتهاكات حرية الصحافة بالولايات المتحدة خلال عام 2020، تراجعت الوتيرة بشكل كبير في الآونة الأخيرة، ولكن لا تزال هناك عقبات هيكلية كبيرة في هذا المجال في بلد كان يعتبر نموذجًا لحرية التعبير.
المشهد الإعلامي
صحيح أن أغلب وسائل الإعلام الأمريكية تعمل عموماً بمنأى عن أي تدخل حكومي، بيد أن ملكية وسائل الإعلام تتسم بتمركز شديد، إذ يبدو أن العديد من الشركات التي تشتري وسائل الإعلام الأمريكية تعطي الأولوية للأرباح على حساب الصحافة المسخرة لخدمة المصلحة العامة. ففي مشهد إعلامي متنوع، تراجعت نسبة الأخبار المحلية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، كما لوحظ اهتمام متزايد بوسائل الإعلام الحزبية، وهو ما يهدد موضوعيتها، بينما تراجعت ثقة الجمهور في الصحافة بشكل خطير.
السياق السياسي
بعد أربع سنوات من الازدراء المستمر للصحافة ووسائل الإعلام من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب، أكد خليفته، جو بايدن، أن "الصحافة ليست جريمة". ورغم هذا الخطاب الذي يبدو طموحاً في ظاهره، لا يزال أهل المهنة بانتظار حل العديد من المشاكل الجذرية والمتكررة التي تؤثر على عمل الصحفيين، حيث تعرض جو بايدن نفسه لانتقادات لاذعة لفشله في الضغط على شركاء الولايات المتحدة المميزين، مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية، بشأن حرية الصحافة.
الإطار القانوني
تتزايد وتيرة الضغط لإعادة النظر في القرار التاريخي المعروف باسم قضية "سوليفان ضد نيويورك تايمز"، والذي يحمي إلى حد كبير وسائل الإعلام من الدعاوى القضائية بتهمة التشهير. وفي عام 2022، رُفض قانون الصحافة بفارق ضئيل من الأصوات، وهو قانون اتحادي يهدف إلى حماية الصحفيين ومصادرهم، علماً أنه لا يزال مطروحاً للنقاش في مجلس الشيوخ. هذا وتواصل الحكومة الأمريكية المطالبة بتسليمها جوليان أسانج - المحتجز في بريطانيا - قصد محاكمته بتهم تتعلق بنشر وثائق سرية مسربة في عام 2010. كما طرحت أكثر من اثنتي عشرة ولاية وبلدية مشاريع قوانين أو سنت قوانين ترمي إلى تقييد وصول الصحفيين إلى الأماكن العامة، بل ومنعهم من حضور الجلسات التشريعية ومن تسجيل عناصر الشرطة.
السياق الاقتصادي
تؤثر القيود الاقتصادية بشكل كبير على الصحفيين العاملين في الولايات المتحدة، حيث تم إغلاق أكثر من ثلث الصحف التي كانت توزَّع في الأكشاك خلال عام 2019. وبينما تمكنت بعض وسائل الإعلام العامة، وعلى وجه الخصوص المحطات الإذاعية، من تعويض تراجعها إلى حد ما بفضل أنماط الاشتراك عبر الإنترنت، نجحت أخرى في ضمان استمراريتها بفضل نظام التبرعات الفردية. وشهد الحقل الإعلامي الأمريكي موجات كبيرة من عمليات الاستغناء عن الموظفين خلال عام 2023، وهي وتيرة استمرت حتى عام 2024، مما أثر على كل المؤسسات الصحفية المحلية والمنابر الرئيسية مثل واشنطن بوست، ولوس أنجلوس تايمز، ووول ستريت جورنال، وسبورتس إليستريتد، وإن بي سي نيوز، وفايس ميديا، وفوكس، حيث سُجل فقدان أكثر من 3000 وظيفة في قطاع الإعلام خلال عام 2023 وحده، وهو أعلى معدل سنوي منذ عام 2020، الذي فُقدت فيه أكثر من 16000 وظيفة.
السياق الاجتماعي والثقافي
تشير دراسات حديثة إلى أن الإعلام الأمريكي أصبح موضع شك وتوجس على نحو غير مسبوق. ذلك أن ظاهرة التضليل التي تثقل كاهل المجتمع الأمريكي خلقت مناخاً محموماً لم يعد فيه المواطنون يعرفون بأي جهة يثقون. كما أن المضايقات عبر الإنترنت، وخاصة ضد النساء والأقليات، باتت تطرح مشكلة حقيقية للصحفيين إلى درجة يمكن أن تؤثر على حياتهم وتهدد سلامتهم.
الأمن
أصبحت المضايقات والترهيب والاعتداءات تطال الفاعلين الإعلاميين في الميدان أكثر فأكثر. ففي سبتمبر/أيلول 2022، قتل مسؤول سياسي الصحفي جيف جيرمان، مراسل صحيفة لاس فيغاس ريفيو جورنال، بطعنات سكين، علماً أن الصحفي كان بصدد إجراء تحقيق في قضية يتورط فيها الجاني. كما اغتيل ديلان ليونز، مراسل قناة Spectrum News 13 في أورلاندو بولاية فلوريدا، أثناء تغطيته لحادث إطلاق نار في فبراير/شباط 2023. وأثناء تغطية الاحتجاجات، يتعرض الصحفيون أحياناً للهجمات والاعتداءات الجسدية من قبل بعض المتظاهرين، علماً أن عدداً من المراسلين طالهم الاعتقال كذلك أثناء تغطيتهم للأحداث الاحتجاجية.