يُعد المشهد الإعلامي الكاميروني من بين الأغنى على مستوى القارة الإفريقية، ومع ذلك , فإن الكاميرون تبقى من أخطر بلدان إفريقيا على سلامة الصحفيين، الذين عادة ما يعملون في بيئة يسودها العداء وانعدام الاستقرار، حيث اختُطف الصحفي البارز مارتينيز زوغو واغتيل في مطلع 2023.
المشهد الإعلامي
رغم انتشار المؤسسات الصحفية بأعداد كبيرة (ما لا يقل عن 600 جريدة ونحو 200 إذاعة ةأكثر من 60 قناة تلفزية)، لا يزال إنتاج المعلومات المستقلة والنقدية يمثل عقبة حقيقية في الكاميرون، حيث يتوزع إقبال القراء بشكل أساسي بين لوميساجيه ولوجور ولانوفيل إكبريسيون وذي غارديان بوست وأسبوعية لافوا دي سونتر والصحيفة اليومية الحكومية كاميرون تريبيون. كما تزخر البلاد بالعديد من محطات الإذاعة والتلفزيون الخاصة، وعلى رأسها إكينوكس (إذاعة وتلفزيون) وبلافون (إذاعة وتلفزيون) وكنال2 أنترناسيونال (تلفزيون) وراديو تيميني سيانتو وريال إف إم، في حين تظل الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وسيلة إعلام حكومية في خدمة نظام بول بيا، الماسك بزمام السلطة منذ أكثر من 40 عامًا.
السياق السياسي
من المستحيل اعتماد خط تحريري نقدي ومستقل دون مواجهة تهديدات وضغوط كبيرة عندما تكون مصالح السلطة وممثليها على المحك، علماً أن رئيس الدولة يهيمن على جميع الهيئات، وهذا المناخ يغذي الرقابة الذاتية ويؤدي إلى مواءمة معظم وسائل الإعلام مع مواقف السلطات أو بعض الشخصيات القريبة منها. هذا ويتولى رئيس الجمهورية بنفسه تعيين كبار المسؤولين في وسائل الإعلام الحكومية وجميع أعضاء المجلس الوطني للاتصال، الذي يُعتبر الهيئة المعنية بتنظيم عمل وسائل الإعلام.
الإطار القانوني
عادة ما يتم التحايل على القوانين لجعلها أداة في خدمة قمع الصحافة، وتشمل هذه النصوص التشريعية قانون الصحافة المعتمَد منذ 1990، إذ لم يتم بعد إلغاء تجريم جنح الصحافة، بينما لا توجد ضمانات تتعلق بالوصول إلى المعلومات أو حماية سرية المصادر، حيث بات من الشائع متابعة الفاعلين الإعلاميين أمام محاكم استثنائية، كما هو الحال بالنسبة للمدير السابق للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، الذي حُكم عليه في ديسمبر/كانون الأول 2022 بالسجن لمدة 12 عاماً وغرامة باهظة بتهمة اختلاس المال العام، بعد نحو سبع سنوات من الحبس الاحتياطي، وهو الاحتجاز الذي اعتبرته الأمم المتحدة تعسفياً. هذا وقد لجأت السلطات إلى قانون مكافحة الإرهاب الصادر عام 2015 لإبقاء مراسل إذاعة فرنسا الدولية في السجن لمدة عامين ونصف.
السياق الاقتصادي
يعمل الصحفيون الكاميرونيون في ظروف هشة للغاية، خاصة أولئك الذين يعملون لوسائل إعلام خاصة، مما يقوض استقلاليتهم بشكل كبير. صحيح أن الصحافة تتلقى بعض المساعدات، لكن هذه الأخيرة تبقى غير كافية، في حين أن توزيعها يتوقف على مدى توافق وسائل الإعلام مع مواقف النظام. كما يمكن للأشخاص المقربين من السلطة إنشاء مؤسسات إعلامية بإيعاز من النظام، وذلك بغرض المساهمة في الإضعاف الاقتصادي للمنابر الناقدة التي تُزعج الماسكين بزمام الحكم، علماً أن الفساد والمحسوبية باتا أمرين شائعين في المشهد الكاميروني.
السياق الاجتماعي والثقافي
يتزايد عدد وسائط الإعلام القائمة على معايير إثنية أو دينية، مما يسهم في استقطاب النقاش العام وتشجيع مواقف الاستبعاد أو الوصم. وغالبًا ما تؤدي القيود الثقافية إلى الرقابة أو الرقابة الذاتية، خاصة في المناطق حيث التقاليد الثقافية قوية ومتجذرة.
الأمن
يواجه الصحفيون الكاميرونيون خطراً دائماً، خاصة إذا كانوا يتَّبعون خطاً ناقداً أو مستقلاً، حيث تطالهم الاعتداءات اللفظية والجسدية والاعتقالات والاحتجازات التعسفية والإجراءات السالبة للحرية، بل ويصل الحد إلى خطر الاختطاف والاغتيال أحياناً.و يكشف اغتيال أني ندي نسوه في بامندا في مايو 2023 عن حالة انعدام الأمن التي تهدد عمل الصحفيين في المناطق الناطقة باللغة الإنجليزية، والتي عارضت منذ عدة سنوات السلطة المركزية لياوندي. وفي يناير/كانون الثاني 2023، عُثر على الصحفي مارتينيز زوغو ميتًا ومقطَّع الأوصال بشكل تقشعر له الأبدان، وذلك بعد خمسة أيام من اختطافه. وقد أُلقي القبض على أحد المدبرين المزعومين لجريمة الاغتيال هذه، وهو مدير العمليات السابق بالمديرية العامة للأبحاث الخارجية، كما اعتُقل معه عدة شركاء مزعومين آخرين، لكن التحقيق لم ينته بعد. بينما يخضع العديد من الصحفيين المعروفين للتجسس و لا يزال مستوى الإفلات من العقاب مرتفعاً للغاية عندما يتعلق الأمر بأعمال العنف المرتكبة ضد الصحفيين.