صحيح أن الصحفيين الألمان يعملون في بيئة مواتية من الناحية القانونية، إلا أن إصلاح قانون الأمن منح وكالات الاستخبارات صلاحيات أوسع بما يقوض الحقوق الأساسية للصحفيين.وعلاوة على ذلك، فإن الوصول إلى المعلومات مجزأ، والتعددية الإعلامية مهددة، والعنف ضد الصحفيين آخذ في الازدياد.
المشهد الإعلامي
فقدت صحيفة بيلد، أكبر الصحف الشعبية في البلاد، شريحة واسعة من قرائها، بخلاف المنابر الصحفية العالية الجودة مثل جريدة زود دويتشه تسايتونغ اليسارية الليبرالية أو فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ المحافظة، التي تكتسب إصداراتها الإلكترونية شعبية واسعة. هذا ويشمل القطاع السمعي البصري محطات خاصة وعامة (آرد، زي دي إف ودويتشلاند فونك) تغطي الأحداث الجارية على المستوى الإقليمي والوطني والدولي. ومع ذلك، فإن التعددية الإعلامية مهددة بالتراجع في ألمانيا، وذلك بسبب إغلاق بعض الصحف والمجلات واستغناء شركات الإعلام الكبرى عن أعداد هائلة من الموظفين في السنوات الأخيرة.
السياق السياسي
لا يزال دور الإعلام باعتباره ركيزة من ركائز الديمقراطية مقبولاً على نطاق واسع في أوساط الطبقة السياسية، باستثناء اليمين المتطرف، علماً أن وسائل الإعلام الألمانية تحافظ على تقاليدها العريقة في انتقاد الحكومة والمعارضة على حد سواء، حيث تتخذ معظم الصحف خطاً تحريرياً قريباً من أحد التيارات السياسية. هذا وتكفل التشريعات حماية استقلالية القنوات والمحطات العامة، رغم أن بعض القرارات الصادرة عن الموظفين تثير الشكوك حول وجود حالات تأثير سياسي في هذا الصدد.
الإطار القانوني
تشكل الضمانات الدستورية القوية والقضاء المستقل بيئة مواتية للعمل الصحفي عموماً، إذ تُعتبر ألمانيا رائدة في تطبيق القانون الجنائي الدولي وتوسيع نطاقه، حيث يشجع مجلس الصحافة الالتزام بالمعايير الأخلاقية، علماً أنه عبارة عن هيئة تطوعية للتنظيم الذاتي لفائدة وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية. ومع ذلك، فإن قوانين الوصول إلى المعلومات مازالت لا ترتقي إلى المستوى المنشود المنصوص عليه في المعايير الدولية، علماً أن إصلاح قانون الأمن منح وكالات الاستخبارات صلاحيات أوسع مما يقوض الحقوق الأساسية للصحفيين، في حين أن الرقابة البرلمانية والقضائية على وكالات الاستخبارات لا تزال غير فعالة.
السياق الاقتصادي
تعاني العديد من وسائل الإعلام الألمانية صعوبات مالية، وقد تفاقم هذا الاتجاه مع انخفاض عائدات الإعلانات أثناء أزمة كورونا، علماً أن الصحافة تعاني من ارتفاع هائل في التكاليف، حيث تضاعف سعر الورق، كما أصبحت الأحبار وألواح الطباعة أكثر تكلفة بكثير مما كانت عليه قبل سنوات قليلة. ولترهيب الصحفيين، غالباً ما تلجأ الشركات الكبرى إلى الدعاوى القضائية الاستراتيجية بتهمة التشهير، بينما يندد مجلس الصحافة مراراً وتكراراً بتأثيرات المعلنين على المحتوى الصحفي.
السياق الاجتماعي والثقافي
يتمتع الصحفيون بحرية تغطية أي موضوع والتعبير عن أي رأي طالما كان ذلك في إطار احترام الدستور. بيد أن منصات التواصل الاجتماعي تشهد تزايداً في وتيرة العداء ضد الصحفيات والفاعلين الإعلاميين من ذوي البشرة السمراء وأولئك الذين يغطون مواضيع تتعلق بالجنس والعنصرية. أما التيارات المعارضة لإجراءات مكافحة كوفيد، فلا تكف عن اتهام الصحفيين بمحاباة الحكومة، إذ يحاول السياسيون الشعبويون جاهدين خلق مناح يسوده انعدام الثقة في وسائل الإعلام.
الأمن
يتعرض الصحفيون بشكل متزايد للتهديدات والمضايقات والاعتداءات الجسدية – إذ غالباً ما تُعزى هذه الانتهاكات إلى اليمين المتطرف، وإن كانت تصدر أيضاً في بعض الأحيان عن أعضاء من اليسار الراديكالي أو عناصر الشرطة. وقد شهدت أعوام 2020 و2021 و2022 زيادة في أعمال العنف ضد الصحفيين، لا سيما خلال المظاهرات المرتبطة بالقيود المفروضة في سياق جائحة كوفيد-19، حيث تم تعرض العشرات من المراسلين للاعتداء. وإذا كانت تترتب عن أعمال العنف الجسدي ملاحقات قضائية، فإن التنمر الإلكتروني يمر دون عقاب عموماً. وفي بعض الأحيان، تطال الاعتقالات الصحفيين الذين يغطون المظاهرات الاحتجاجية.